كان من المعتاد القول عن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إنها مثل كيس الشاي الذي يعمل في المياه الساخنة فقط، وإذا كان الأمر كذلك فإن الأوضاع في سوق النفط العالمية بلغت درجة من الصعوبة لم يسبقها مثيل مع هبوط الأسعار قرب أدنى مستوياتها في 7 سنوات مقتربة من 40 دولارا للبرميل.
وبدلا من توحيد الصفوف تشهد أوبك مزيدا من الانقسامات مع زيادة حدة الصراع على النصيب من السوق وهي المشكلة التي تفاقمت جراء الخلافات الإقليمية العميقة بين السعودية وإيران.
إيرادات إيران تدعم مواقفها في المنطقة
ومن المرجح أن توجه زيادة إيرادات النفط الإيرانية إلى دعم مصالح طهران العسكرية في اليمن والعراق وسوريا، وهو ما يزيد من الضغط على السعودية في تلك الملفات وبخاصة مع تراجع أسعار النفط واحتمال تقليل سقف الإنتاج بعد عودة طهران لإنتاج النفط من جديد مع بداية 2016.
اجتماع الجمعة الماضية 5 ديسمبر/كانون الأول 2015، الذي استغرق 6 ساعات نشب فيه خلاف غير متوقع حول مستقبل التكتل، وفي تحرك قالت مصادر إنه قد تم بدعم السعودية اتفق الوزراء للمرة الأولى في عقود على إسقاط أي إشارة إلى سقف إنتاج المنظمة التي تضم 13 دولة.
عودة إيران للإنتاج يضغط على السعودية
الأمر المحوري الذي فاجأ الأسواق وبعض مسؤولي أوبك أيضا يتمثل في الاستجابة المباشرة فيما يبدو لإيران الخصم اللدود للسعودية والتي أوضحت أنها تسعى للعودة سريعا إلى أسواق النفط العالمية 2016، عقب رفع العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.
ومع تطلع طهران لضخ كميات إضافية من الخام تصل إلى نحو مليون برميل يوميا في سوق متخمة بالفعل بفائض المعروض وهو ما يشكل زيادة قدرها 1% في الإمدادات العالمية فإن الإبقاء على أي قيود تفرضها أوبك أو إضفاء شرعية عليها لم يكن خيارا متاحا أمام الرياض.
مصدر مطلع في أوبك قال إن موضوع سقف الإنتاج خلال الاجتماع كان شائكا للغاية ولم يتخذ المجتمعون قرارا بشأنه، واصفا حالة ممثلي الدول في أوبك "الجميع كانوا غير سعداء".
وقال مصدر آخر في وقت سابق إنه كان هناك "خلاف كبير بين الأعضاء تفاقم الآن حيث لم يعد فائض المعروض يأتي بشكل رئيسي من الدول الخليجية وإنما من إيران".
حرب الأسعار بين أعضاء أوبك
وقال محللون إن تجاهل تحديد سقف جديد للإنتاج يهدد بزيادة حدة حرب الأسعار بين أعضاء أوبك وهو ما لا يتيح لهم الاتفاق على أي إجراءات في السوق في المستقبل ويضع مزيدا من الضغوط على الأسعار.
ومنذ إنشاء منظمة أوبك التي تضخ ثلث الإنتاج العالمي من النفط الخام قبل 55 عاما كان الهدف من تأسيسها يتمثل في تحديد مستويات مستهدفة للإنتاج في محاولة للتأثير على أسعار النفط العالمية.
ومرت المنظمة بخلافات وصراعات داخلية من قبل ومن بينها حروب بين أعضائها، مثل العراق وإيران في الثمانينات وغزو العراق للكويت في التسعينات.
أوبك ساحة للصراع
لكن الصراع الحالي في المنطقة العربية يضع السعودية في مواجهة إيران وبصفة خاصة في سوريا واليمن وهو ما يجعل العلاقات بين البلدين العضوين في أوبك تزداد توترا.
وقال روبرت مينتر الخبير لدى أبردين لإدارة الأصول إن دعم إيران للحوثيين في مواجهة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ليس مفيدا حيث من المرجح أن توجه زيادة إيرادات النفط الإيرانية إلى دعم مصالح طهران العسكرية في اليمن والعراق وسوريا.
وأضاف أن أوبك تتهيأ لتكون ساحة للصراع حيث تريد إيران استعادة نصيبها في السوق الذي كان قبل العقوبات والدول الخليجية لن تتخلى عن مستويات إنتاجها المرتفعة بعدما شعرت بالفعل بأوجاع الميزانية مع هبوط الأسعار.
ورغم أوجاع الأسعار فإن هناك علامات على أن التغير الجذري في استراتيجية أوبك منذ عام والذي قاده وزير النفط السعودي علي النعيمي بدأ يؤتي ثماره ولو بشكل أبطأ عما كان مأمولا. فقد تراجع إنتاج النفط الصخري المزدهر في الولايات المتحدة بينما تسارعت وتيرة الطلب العالمي على الخام.
وأظهرت بعض التسريبات من الاجتماع أن الوزراء اتفقوا على رفع سقف الإنتاج إلى 31.5 مليون برميل يوميا لكن لم يتضح ما إذا كان هذا الرقم يتضمن إنتاج إندونيسيا التي ستستعيد عضويتها في أوبك أم لا.
أكبر تحد لأوبك
ويبدو أنه لم يحدث نقاش يذكر بشأن إنتاج إيران رغم أنه كان من الواضح لأشهر أن ذلك سيكون أكبر تحد لأوبك في 2016.
وقال وزير النفط النيجيري إيمانويل أيبي كاتشيكو "ناقشنا هذا الموضوع في دقيقتين، ولا نستطيع منع دولة ذات سيادة من العودة إلى السوق، ولذا فإن مناقشة ذلك أمر غير مجد".
وأضاف "في الحقيقة يتمثل موقفنا في أن إيران ستحل محل طرف ليس عضوا في أوبك."
وفي وقت لاحق هون الوزراء من شأن أي صراعات، وقال معظمهم إنهم لا يرون مشكلة في عدم تحديد مستوى مستهدف للإنتاج لعدة أشهر على أن يحددوا سقفا جديدا عندما تعود إيران إلى السوق آملين عندئذ في حدوث خفض أكبر في الإنتاج الأمريكي.