ولد السيد (مستدام) بصورة شرعية ودولية على مهد حنون أعدته على عجل مفوضية الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في 20 مارس1987م كأنها لم تحمله في بطنها أشهرا عدة، وكتبت على شهادة ميلاده: (التنمية المستدامة هي التنمية التي تفي باحتياجات الوقت الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة).
ومثلما يتقاتل الأب مع الأم، والجد مع الجدة، وأهل الزوج مع أهل الزوجة، حول الاسم الذي ينبغي أن يُطلق على أول مولود تنجبه الأسرة الجديدة، اختلفت الأسرة الدولية على اسم (السيد مستدام) وعلى من ستربيه وتتولى العناية به لاحقا، هل هي (البيئة) أم (التنمية) أم ستكون كل قضايا (الإنسانية) أمه وأخته ومربيته؟!
الاستدامة في الأساس مصطلح بيئي (Sustainability ) تفرق دمه بين القبائل، إلا أن التنمية هي أكثر المستأثرين به، وأضحت التنمية المستدامة (Sustainable Development) هي الشائعة، وما قصّرت الأمم المتحدة حتى أعلنت طابورا من المجالات التي لابد أن ترعاها التنمية المستدامة مثل: (الزراعة، الغلاف الجوي، المياه، التنوع البيولوجي، التكنولوجيا الحيوية، بناء القدرات، تغير المناخ، أنماط الاستهلاك والإنتاج، التصحر والجفاف، الحد من الكوارث وإدارتها، التعليم والوعي، الطاقة، التمويل، الغابات، المياه العذبة، الصحة، الفقر، الصرف الصحي، النفايات، النقل،…) وغيرها من المجالات.
حياة السيد مستدام وكل أعياد ميلاده ما زالت تواجه الكثير من الانتقادات، يصف البعض المصطلح بالغموض، ويراه آخرون متناقضا وغير ممكن التطبيق فعليا على الأرض، فالدوام غاية بشرية عزيزة المنال إن لم تكن مستحيلة، وفي المقابل تتناقص الموارد الطبيعية والبشرية بمتوالية ملحوظة يصعب إيقافها.
مفهوم الاستدامة بشكله الحالي والمنقوص أصلا، رغم أنه ما زال يتعرض للانتقاد إلا أنه يمكن استلهامه لشحذ الهمم والقيام بالكثير من المبادرات التي تحسّن من استخدامنا لمواردنا الشحيحة والمتعرّضة للنفاد؛ لكن المشكلة أن (السيد مستدام) ما زال في طور المراهقة في كثير من البلدان العربية، والأدهى أنه أصبح على لسان كل من يريد أن يعطي ما لا يملك، خصوصا في الصناعات الإعلانية التي تتسول أوقات المستهلكين ومواردهم المالية باسم الاستدامة التي تلصقها على أي منتج مهما كان ماديا أو خدميا فيصبح في الحال، براقا وخاليا من العيوب، وجاهزا للبيع ومن ثم الاستهلاك.
قد لا يكون السيد مستدام معرضا لشيخوخة مبكرة، بفضل الدعم والسند والاهتمام الذي يجده في الأوساط الاقتصادية والثقافية، لكنه سيكون مطالبا بمواجهة ما لم يطقه أسلافه من المفاهيم والأفكار والنظريات التي علق عليها كثير من البشر آمالهم لحل مشكلاتهم، فأصبحت تواريخ لمشكلات لا حل لها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.