كان يوماً ماطراً بارداً. امرأة في أواخر العقد الثالث من عمرها، كانت تنتظر على الرصيف وصول القطار التالي. تحمل طفلتها ذات الثلاث أعوام الملفوفة في بطانية تحت الشادور الأسود الطويل لحمايتها من الريح. وصل القطار فركبته.
مريم أمٌ لطفلين. يعمل زوجها لحسابه الخاص وهي تعمل في حضانة، وتأخذ معها طفلتها الأصغر إلى العمل كل يوم، بحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
أخبرتني على القطار "علينا أن نتدبر حاجات حياتنا اليومية بالنقود التي نكسبها. لا نستطيع أبداً شراء شقة والكفَّ عن استئجار البيوت، لذا انضممت مؤخراً إلى شركة تسويقٍ متعدد المستويات، حيث أعمل مساءً. آمل أننا خلال السنتين القادمتين سنتمكن من شراء شقة بحيث ينعم أطفالنا بحياة مريحة".
بينما اقترب القطار من محطتها وكانت تتجهز للنزول، أعطتني رقم هاتفها قائلة "إن كنت تريد عملاً مربحاً وأن تحقق أحلامك، اتصل بي. أستطيع أن آخذك إلى شركتي حيث يمكنك أن تصبح مسوّقاً أيضاً".
حلم الثراء السريع
في إيران، حيث يكافح الكثيرون لتدبر شؤون الحياة، تَعِد شركات التسويق متعدد المستويات بحياةٍ أفضل، بصرف النظر عن تحذيرات الاقتصاديين من أن هذه الوعود غير واقعية، فحلم الثراء السريع مغرٍ للكثيرين.
النموذج العملي للتسويق متعدد المستويات- المعروف أيضاً باسم التسويق الشبكي- بسيطٌ جداً. المسوِّق يجني النقود بشراء منتجاتٍ من الشركة وبيعها إلى معارفه الشخصيين. في العديد من هذه الشركات، يُطلب من المسوِّق أن يقوم أيضاً بتجنيد مسوِّقين آخرين للحصول على عمولة إضافية من مبيعات أولئك الذين يجندهم.
بدأ هذا النموذج بالظهور في إيران حوالي عام 2005 واكتسب شعبيةً خلال سنوات قليلة. توجد الآن 14 شركة رسمية فاعلة من هذا النوع في إيران، ويصل عدد فروعها إلى حوالي 150 فرعاً.
بعد لقائي بمريم بفترة قصيرة، ذهبت إلى شركة التسويق متعدد المستويات Biz لمتابعة عرض تقديمي موجَّه لموظفين محتملين. المسوِّق الشاب أخبر الشبان الذين ازدحمت بهم الغرفة أن "شركات التسويق متعدد المستويات هي ثالث الأعمال الأكثر ربحاً في العالم".
حسب ما قال الشاب، Biz هي أكبر شركة من نوعها في إيران، حيث يصل عدد فروعها إلى 30 فرع وعدد العاملين في قطاع التسويق التابع لها إلى 150 ألف مسوِّق. تبيع الشركة منتجات متنوعة، بما فيها أدوات التجميل، معدات المطبخ، التوابل ومستلزمات غرف النوم.
شرح الشاب أنه في البداية، على الشخص أن ينفق أكثر من 300 دولار في شراء المنتجات من الشركة، ببيعه هذه المنتجات للمشتري التالي، يجني المسوِّق ما بين 10-12% من قيمة المنتج على شكل عمولة.
أضاف الشاب "ولكن إن أردت أن تربح أكثر، عليك أن تجنِّد المزيد من المسوِّقين وتحصل على عمولة على مشترياتهم أيضاً. إن قمتَ باتباع التعليمات، وعملت ساعتين أو ثلاث في اليوم، ستجني كمية كبيرة من المال خلال سنتين إلى أربع سنوات، وهو أمرٌ لا يمكن تخيله في أعمال أخرى".
شركات للاحتيال
يرفض العديد من الاقتصاديون عمل شركات التسويق متعدد المستويات، وتتضمن قائمة المنتقدين أيضاً برلمانيين أعضاء في لجان الاقتصاد، الصناعة والتشريع التابعة للبرلمان الإيراني. أخبرني باحث اقتصادي من طهران خلال مقابلة أن التسويق متعدد المستويات محضُ "احتيال" وأن "هذه الخزعبلات عادةً ما تزدهر وتنمو في الاقتصادات الفقيرة، حيث يعاني الناس مالياً".
وأضاف الباحث الاقتصادي "إن تدهور الاقتصاد الإيراني خلال السنوات القليلة الماضية، ومعدل البطالة المرتفع، وانخفاض دخل الفرد والفقر المدقع والتضخم الاقتصادي كلها شجعت الناس على البحث عن أعمال زائفة. من بين كل أولئك الذين ينضمون إلى شركات التسويق متعدد المستوياتـ قلةٌ فقط في قمة الهرم تجني أموالاً، البقية لا تكسب كثيراً".
وأصر الباحث أن هذه الشركات تتبع طريقة البيع الهرمي، لكن مع وجود اختلاف قد لا يبدو واضحاً: في طريقة البيع الهرمي، تأتي أرباح الأعضاء بشكل أساسي من تجنيد آخرين في الشبكة، بدلاً من بيع المنتج.
بدأت شركات البيع الهرمي باكتساب شعبية في إيران حوالي عام 2000، وفي عام 2006 حظرت الحكومة نشاطاتها، مثلما حدث في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانية. أغلقت العديد من الشركات وتم اعتقال الكثيرين.
بخلاف شركات البيع الهرمي، شركات التسويق متعدد المستويات قانونية. اعترفت بها وزارة الصناعة، المناجم والتجارة الإيرانية على أساس أن أرباحها الرئيسية تأتي من بيع المنتجات وليس من تجنيد الآخرين.
المسوّق الشاب قال خلال عرضه التقديمي "لدينا رخصة. نحن ندفع الضرائب للحكومة، لذا لا يمكن أن تغلق الحكومة شركتنا".
أنشطة مريبة
لكن الباحث الاقتصادي قال أن هذه الشركات متورطة في أنشطة مريبة: "نعم، هذه الشركات مرخَّصة، لكن ما تفعله غالباً ما يتجاوز إطارها القانوني".
توجد 15 شركة من هذا النوع مرخصة من قبل الوزارة، بينما تم سحب ترخيص واحدة منها في أغسطس الماضي بسبب "انتهاكات واسعة النطاق". كما حصلت خمسة من هذه الشركات على إنذار واحد على الأقل. Biz حصلت على أربع، وهي بالتالي الأكثر تلقياً للإنذارات من بين كل الشركات.
لكن هذه الشركات لا تزال تجذب الكثير من الإيرانيين، وخاصةً الشباب. فقد قال الشاب خلال عرضه التقديمي "درستُ الهندسة المدنية لكني لم أجد وظيفةً ترتبط بدراستي ذات دخلٍ مقبول. عملت لمدة 20 شهراً كمسوِّقٍ هنا وجندت 400 شخص حتى الآن. ربما لا تكون أرباحي مثلما أريد، لكني لن أتوقف عن الإيمان بتحقيق هدفي. أقضي معظم وقتي هنا في الشركة، وآمل أني خلال سنة أو اثنتين سأستطيع كسبَ كل ما أريده".
بينما يعتقد الباحث الاقتصادي أن مثل هذه الأحلام ستتعثر "أعتقد أنه مع نمو نشاطات هذه الشركات، ستشدد الحكومة قبضتها عليها ثم تغلقها في النهاية. في النهاية سيكون ثمة شبابٌ لم يحققوا أهدافهم ويشعرون بخيبة أمل كبيرة".