يشعر عبد السلام غبن براحة نفسيّة، وهو ينظر إلى جدران منزله المُتواضع في مُخيّم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب قطاع غزّة، وقد تبدّلت ألوانه الحزينة القاتمة إلى ألوانٍ أكثر جمالاً وزهاءً، تنبض من بين مفاصلها الحياة، بفضلِ حملة "غزّة أحلى" التي أطلقها شُبّان من قطاع غزّة لتلوين مُخيّمات القطاع.
من أمام منزله بمخيّم الشاطئ، يقول غبن لـ "عربي بوست" إن "ملامح بيتي تغيرت لدرجة كبيرة وتحولت إلى لوحات ملونة، الأمر الذي يشعرني براحة نفسية".
وكان رسّامون فلسطينيّون متطوعون، قد جمعتهم حملة غزة أحلى التي أطلقتها شركة باديكو، بهدف تلوين بيوت اللاجئين القاطنين في المُخيّمات الفلسطينيّة في قطاع غزّة، ورسم بعض الرسومات الجميلة على جدرانها.
تحفة فنية فريدة!
للوهلة الأولى، يشعر الناظر لتلك المنازل على امتداد ساحل مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، أنه يمر بجوار تُحفة فنيّة فريدة من نوعها، أو قرية ريفيّة من العصور القديمة، وذلك بسبب طبيعة الرسومات التي نقشت على جدران البيوت، إضافة للألوان الزاهية المُتناسقة بشكل جميل، والورود والأزهار التي تنتشر في أروقة المُخيّم.
تقول منسّقة المُبادرة، الفنانة التشكيليّة داليا عبد الرحمن، لـ "عربي بوست" إنّ "حملة غزّة أحلى تستهدف حوالي 90 منزلاً من منازل مُخيّم الشاطئ غرب مدينة غزّة، على طول الشريط الساحلي المُقابل لشاطئ البحر المتوسّط، الذي يُطل عليه المُخيّم".
وتضيف "قررنا تلوين منازل اللاجئين الفلسطينيين هنا في هذا المُخيّم الفقير كي نُشعرهم بشيء من الفرحة والسرور، ونحاول منحهم الأمل، كي ينسوا عذاب ما رسمته الحرب الأخيرة على القطاع".
توضح عبد الرحمن، أنّ فريق العمل المكوّن من 30 شخصاً، بينهم فنانون وعمّال دهان مُتطوّعون، قاموا باستخدام ألوان زاهية مدروسة بعناية أثناء الطلاء، توحي للنفس بالراحة والاطمئنان، وتبعث على السعادة والهدوء، كما قاموا بتعليق بعض الأشياء البسيطة بعد أن حوّلوها إلى تحفٍ فنيّة، "فمثلاً استخدمنا إطارات السيارات القديمة كتحفة فنية بعد تلوينها وترتيبها فوق بعضها البعض، بدلاً أن تُشكّل عبئاً على الناس في المُخيّم".
حياة وأمل
إن الرسومات أغلبها زخارف نباتيّة تم رسمها بناء على طلب السكان كونها "تبعث الحياة والأمل في المكان" توضح عبد الرحمن وتضيف "لذلك قام فريق العمل برسم لوحات لكائنات بحريّة، ولوحات لها علاقة بالبحر والصيد، كون أغلب سكّان هذا المُخيّم يُمارسون مهنة الصيد منذ سنوات طويلة".
تُشير الفنانة التشكيليّة، التي أدارت عدّة حملات مُشابهة سابقاً، أن فكرة تلوين المُخيّمات تولّدت بعد أن رعت فكرة تلوين صخور ميناء غزّة سابقاً، وتلوين كرافانات النازحين في قرية خُزاعة الحدوديّة، ومن ثم تلوين المُخيّمات في شهر رمضان الفائت، لافتة إلى أن الهدف هو بعث الراحة والاطمئنان على نفوس الناس في هذه الأماكن، خاصة وأنهم عانوا الأمرّين جراء الحروب المتكررة على القطاع.
تشعر عبد الرحمن براحة وسعادة غير مسبوقتان نظراً للرضا والسرور الذي تولّد لدّى سكّان المُخيّم بعد أن قام الفنّانون بتلوين جدران منازلهم، وتنسيقها وترتيبها.
التخفيف من آثار الحصار
أسامة أبو حمرة، أحد الفنانين التشكيليين المُشاركين في المُبادرة، يقول لـ "عربي بوست" إنّه يشعر بسعادة غير مسبوقة أثناء مشاركته في هذه الحملة التطوعيّة التي تهدف إلى إضفاء بريق جذّاب لمخيّم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزّة.
مهند صيام والذي يُمارس هواية الرسم منذ كان أن كان عمره 6 سنوات يقول "كنّا نرى السعادة والفرحة ترتسم على وجوه سكّان المُخيّم، وقد تبدّلت ألوان منازلهم من قاتمة إلى مليئة بالحياة والأمل، وهو الأمر الذي كان يُشعرنا بسعادة داخليّة مُنقطعة النظير".
فكرة تلوين المنازل تهدف إلى إدخال الراحة النفسية على نفوس سكان المُخيم" يوضح محمد نجم، فنان شارك أيضاً في الحملة، ويضيف لـ "عربي بوست" أن " الرسومات تسعى للتخفيف من آثار الحصار المستمر للعام التاسع على التوالي، نريد أن تعم الفرحة والسعادة لتملئ قلوب أهالي غزة، عن طريق تلوين منازلهم بعد أن شهدوا حرب مخيفة العام الماضي".
وتحاصر إسرائيل قطاع غزة، حيث يعيش نحو 1.9 مليون نسمة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، ثم شددت الحصار إثر سيطرة الحركة على القطاع منتصف العام التالي.