أطلق شباب من حي "سيدي مومن" الشهير، بمدينة الدار البيضاء المغربية، مبادرة مستوحاه من فيلم أميركي، أطلقوا عليها اسم "الحياة السعيدة"، تهدف إلى محو السمعة السيئة التي اكتسبها حيهم، الذي بات معروفاً في الصحافة المغربية بـ"النقطة السوداء"، خصوصاً بعد تفجيرات 2003، والتي نفذها شباب من الحي.
وتقوم المبادرة أساساً على القيام بأعمال تطوعية وإنسانية، مثل التبرع بالدم وغرس الأشجار وتنظيف الشوارع، إذ يجتمع عشرات الشباب، على الساعة العاشرة صباحاً من عطلة نهاية كل أسبوع في أحد المقاهي الشعبية بالحي، من أجل التخطيط لتحويل الفكرة إلى واقع تلمسه الساكنة، والتي عانت من تفشي الجريمة وارتفاع أعداد المتسعكين في الشوارع.
البدايات
"المبادرة في البداية لم تجد ترحيباً وسط الشباب المثقف والواعي في الحي، بسبب عدم تعودهم على مثل هذه المبادرات، التي جربها آخرون في مجموعة من الأحياء والمدن بالعالم العربي"، هكذا يتحدث الشاب الثلاثيني "أمين باطما"،أحد أبناء الحي، لـ"عربي بوست".
واسترسل أمين بالقول "إن فكرة المبادرة، انطلقت في البداية، أثناء اجتماع بمقهى شعبي بالحي، بمعية أربعة أصدقاء من عائلتي فقط، وكانت الفكرة تبدو صعبة الإقناع بالنسبة لمن يعيش في واقع هذا الحي، لكن الآن أضحت لنا تنسيقية كبيرة في الحي، تضم أزيد من 40 شاباً وشابة، جميعهم مؤمنون بروح المبادرة، ومصرون على الأخذ بزمامها".
الفكرة "كولومبية" الأصل
أمين، الشاب البيضاوي (نسبة لمدينة الدار البيضاء)، ابن قح لحي "سيدي مومن" الشعبي، بلهجته البيضاوية، وحماسته النابعة من إيمانه بزمام المبادرة، يتحدث لـ"عربي بوست"، بأن الفكرة، استمدها من فيلم أميركي، يتحدث عن "عالم الجريمة المنظمة، وتجار المخدرات"، في أشهر الأحياء الموحشة، في "بوغوتا" العاصمة الكولمبية.
ويحكي أمين كيف بدأ شاب، اسمه في الفيلم "جاكسون"، بأحد الأحياء الشعبية، يدعى حي "إريتري"، بتأسيس مبادرة إنسانية مواطنة، تقوم على العمل لمحو الصور السوداء المسيئة لسمعة حيه، وأهله، وجيرانه، عن طريق مبادرات لاقت استحساناً واسعاً، وسط الساكنة، وتطورت الفكرة، إلى أن أضحت مع مرور أربعة سنوات "مؤسسة خيرية لعلاج المدمنين بالمخدرات".
وعن ذلك، تحدثت "هدى السحلي" وهي صحفية وابنة حي "سيدي مومن"، لـ"عربي بوست"، بأن إيمانها بالمبادرة يأتي "من دافع وطني، أولاً، ثم من دافع تقديم خدمة إنسانية صرفة، لساكنة الحي المعوزة، واستقطاب أكثر كم من الشباب المتسكع في الشوارع لرسم السعادة على وجه ساكنة الحي".
أول نشاط "إحساني مواطن"
وتقول هدى، إن أول نشاط أقدم عليه شباب مبادرة "الحياة السعيدة"، هو التحسيس والدعوة على صعيد واسع من الحي ومحيطه، إلى الذهاب إلى مراكز "تحاقن الدم"، والتبرع بكميات من الدم، في المصحات الشعبية المتواجدة في الحي، ولفائدة المحتاجين في مستشفيات الدار البيضاء.
وأوضحت هدى أن النشاط الأول يأتي لتجسيد المبادرة، حيث شارك فيه حوالي 60 شاباً وشابة من أبناء الحي، وخلقت المبادرة، بهجة وسروراً، وتفاعلاً كبيراً لدى الساكنة ومسؤولي المستشفى، خاصة عندما أقدم الشباب ببذلات مكتوب عليها عبارة "شباب حي سيدي مومن- مبادرة الحياة السعيدة"، وهم يقدمون الورود إلى المارة مع الابتسامة.
تحدي "غرس الشجيرات"
وضع شباب حي "سيدي مومن"، برنامجاً طويلاً على مدى السنة، لتنزيل مجمل أفكار مبادرة "الحياة السعيدة"، ومحو الأفكار السيئة عن حيهم، بشكل كامل، كما يقول الشاب المبادر، "أمين باطما".
ومن بين أهم النقاط بالبرنامج، سن موعد ثابت نهاية كل شهر، لغرس 5 شجيرات بأزقة وشوارع الحي، مع تنظيم أماكن الزرع، ورعايتها حتى تنمو، وهو ما شرع فيه 40 شاباً وشابة، في مستهل شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ومن المرتقب أن يتضاعف العدد مستهل شهر ديسمبر/ كانون الأول 2015، حيث يستمر التحدي بغرس 5 شجيرات، عن كل فرد بالمبادرة.
دعم الشبكات الاجتماعية
نوفل، شاب في عقده الثاني، قليل الكلام وكثير العمل، مكلف بتسويق المبادرة والتعريف بها، واستقطاب شباب جدد للمبادرة باستعمال الشبكات الاجتماعية، يقول لـ"عربي بوست"، "بأن العملية هي سر ما وصلت إليه المبادرة من نتائج إلى حدود اليوم".
وزاد نوفل بأن المبادرة لقيت استحسانا مبهراً، "حيث تفاعل معنا عبر صفحاتنا بموقع فيسبوك وتويتر، شباب من أبناء الحي، يقيمون في فرنسا وبلجيك وإيطاليا وأمريكا والإمارات ودول كثيرة أخرى، وقرروا دعمنا في تنظيم حملات للتبرع بالملابس لفائدة ساكنة المناطق الجبلية، وحملات التبرع بالدم، ثم حملات للنظافة، وهي الأنشطة التي تم تحديدها مسبقاً ضمن برنامج سنوي طويل".
وتبقى مثل هذه المبادرات الإنسانية الحية، نموذجاً لوعي الشباب المغربي، بمتطلبات الحياة العامة والمشتركة، بين الناس، وتجسيداً عملياً، للمواطنة في أحياء شعبية، أغرقها الفقر والجهل والجريمة والتطرف.