جيفارا مات ؟!

عندما هبت رياح التغيير في ربيع لم يعد ربيعاً، كان الشباب العربي الذي حمل أغصان الزيتون، وخرج للشوارع والساحات ملء بريق طموحه وحنجرته وصراخه، كان يعلن في تلك اللحظة قطيعة نهائية مع كل القيادات والأيديولوجيات التي سبقت ذلك، وقادت البلاد لهاويةٍ كان الشباب وقود الوقوف على حافتها دائماً

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/27 الساعة 02:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/27 الساعة 02:30 بتوقيت غرينتش

منذ نصف قرن أغمض الثائر تشي جيفارا عينيه للمرة الأخيرة تاركاً ملامحه الجميلة أيقونة لأجيال وأجيال على اتساع الكرة الأرضية .
ومنذ ذلك الحين شكل تشي جيفارا رمزاً لثورات الشباب وطموحاتها بالتغيير والديمقراطية، ومع اختلاف الأجيال والشعارات والتوجهات والأهداف كان غيفارا قاسماً مشتركاً للثائر الذي أخلص لقضية آمن بها ودافع عنها ودفع حياته ثمناً في سبيلها، فكانت الأغاني بمختلف اللغات تتحدث عنه وصورته تصبح في كل مكان رسماً ووشماً .

لكن …

هل تساءلنا يوماً ما عن أبعاد مثل هذا الأمر وعن أسباب تأثر الشباب العربي بـــ تشي جيفارا إلى هذا الحد؟
ولأننا شعوب تدّعي أنها تمتلك كل الإجابات فما أهمية التساؤلات وجدواها، ولأننا نغدق تساؤلاتنا العبقرية لتغذية عقلية المؤامرة المستقرة في ذاكرتنا وثقافتنا وتاريخنا ولا تبرحها، فإننا أصبحنا خارج التاريخ دون ضجيج وبهدوء.

عندما هبت رياح التغيير في ربيع لم يعد ربيعاً، كان الشباب العربي الذي حمل أغصان الزيتون، وخرج للشوارع والساحات ملء بريق طموحه وحنجرته وصراخه، كان يعلن في تلك اللحظة قطيعة نهائية مع كل القيادات والأيديولوجيات التي سبقت ذلك، وقادت البلاد لهاويةٍ كان الشباب وقود الوقوف على حافتها دائماً، وأعلن الشباب ان التاريخ العربي لم يقدم رموزاً تاريخية تمكنت من اختراق ضمير هؤلاء الشباب وتشكيل مرجعية وتاريخ وإرث لديهم يتكئون عليه ويستفيدون منه، وبدل أن يتم استيعاب طموحات الشباب وإرادتهم ومدلولات خروجهم عن النص المُعَدْ منذ عقود لأجيال محنطة من سياسيين وأحزاب وأفكار ورؤى واستراتيجيات لم يكن جيل الشباب ضمن اهتماماتها إلا كشعارات فارغة جوفاء حمقاء، تحطمت عند أول صرخة تغيير أطلقها شباب لم يجدوا إلا تشي غيفارا يمثلهم وبقيت رموزنا التاريخية نائمة في كتب التاريخ يعلو الغبار حكاياتها، وبَقيتْ جزءاً من مناهج تعليمية تلقينية لم تُقنعْ ولم تُعلمْ ،بل أحدثت فجوة هائلة ما بين شخصيات التاريخ وشباب يريد أن يعيش الحقيقة ويتلمس أهداب المستقبل ويرفض كل الخديعة وطقوسها وحراسها، ولا يرضى أن يكون أسير الأطلال والبطولات الوهمية والتاريخ المُتصارع على أحداثه وأبطاله وغرائبيته ؟؟!

القطيعة بين الشباب ووهم التاريخ قائمة، والرصاص الذي توجه نحو صدور الشباب أكد هذه القطيعة، وغيّب العقلانية إلى إشعار آخر ،وجعلنا نغوص في رمال متحركة يتضاءل الأمل بالنجاة منها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد