عن ازدواجية الهوية:عندما كان لي اسمان!

الانسجام بين كل مكوناتنا، والصدق والشفافية والمراجعة الدائمة للذات لتكون على طريق الحق وترضي الضمير أمر هام جدا. لذلك يضيع الكثير من الشباب العربي المسلم في الغرب بسبب حالة انفصام الهوية أو الهويات المتعددة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/25 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/25 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش

كان قراراً وقف الجميع بلا استثناء ضده، لكنني تحديت الجميع واتخذته ، لأَنَّنِي لم أعد أتحمل أن يكون لي اسمان، أن أكون شخصين منفصلين ، أن انقطع من جذوري لأكون شخصا مهما وفعالا ولكن بلا جذور ، وفي البيت أكون الإنسانة العادية البسيطة التي أنا هي.
منذ الأيام الأولى قالوا لي:
عليك أن تختاري اسما حركيا!
لم تعجبني الفكرة ولكن يبدو أنه لم يكن لدي خيار!
جلست لأشهر أفكر بالموضوع ولكن أفكاري كانت تتركز دائما حول اسم واحد لا غير: شمس!
الاسم الذي كنت أحب أن أسمي ابنتيَّ به ولكن ذلك لم يحدث!
كان حاضرا دوما في وجداني، ولكن بقي علي اختيار كنية!
لن أختار كنية تتعلق بمدينتي كما فعل الجميع، أولا: لأنني لا أحب أن أكون نسخة مكررة من أحد.
وثانيا: لأن رسالتي التي أحملها هي رسالة عالمية، تتجاوز حدود حلب، إلى سوريا، بل إلى العالم كله!
رسالة الاستخلاف الصالح في: الأرض .
هداية الأرض وإعمارها بالخير والحق والعدل.
لذلك صار اسمي ابتداء من أول ساعة بث ظهرت فيها على الشاشة:
شمس الهادي.

أحببت عملي الجديد، أحببت حياتي الجديدة، أحببت بشغف العمل الذي كنت أقوم به لدرجة أنه تقريبا أخذ كُلّي، أغلبَ وقتي واهتمامي لأرتقي بأدائي وأطور من محتوى الرسالة التي أقدمها، وبفضل الله هذا ما حدث.
ولكن قصة أنني مضطرة لأتعامل مع العالم بهويتين منفصلتين بدأت تصبح مزعجة بالنسبة لي.
منه لله الذي قال لي: إياك أن يعرف أحد اسمك الأصلي، لا تتعاملي به، لا تقوليه لأحد، لا، لا!
صدقته بسذاجتي، فعشت حالة من انفصام الشخصية!
زاد الطين بلة، التهديدات بالتصفية والتفجير من داعش التي لم تغب ولا يوما واحدا عن واجهة الاهتمام، والتي ازدادت بعد القبض على شخص اعترف أنه كان يخطط لتفجير مقر القناة!
بعد هذه الحادثة بدأت تتزايد المخاوف من الأهل والإخوة :
نور غيري الطريق!
نور البسي نظارات!
أنت وجهك معروف حاولي أن تتخفي!
استمررت متحصنة بالله فقط، ولا شيء غير الله!
وهكذا وكما كنت أعرف منذ البداية، كان عملي الإعلامي ضد النظام وداعش جهادا حقيقيا، وكنت أقرأ الفاتحة على روحي كل يوم، وأودع أولادي وداعاً من يدري فقد يكون الأخير!
الدعاء وكتاب الأذكار يرافقني في كل خطوة، وحتى عندما كنت أصل درج البناء، كل يوم كنت أدعو يا رب ارزقنا الإخلاص، واهدنا واهد بِنَا.
نعم، كنت أعلم أنه قد يكون دخولا ليس بعده خروج!
ستر الله ومرت الأيام بسلام وظللت أتعامل باسم شمس حتى استقلت وتركت القناة.
بعدها بدأت عملي ككاتبة صحفية ونشرت المقال الأول باسم:
شمس الهادي.
هنا كنت أستشير المحيطين بي جميعا:
يا ناس أنا لا أريد أن أُعرف ككاتبة باسم مستعار، أنا أريد أن أعود لاسمي الحقيقي.
لا أحد شجعني، الجميع كان خائفا علي، وباعتبار أني كنت باستمرار أكتب عن انتهاكات النظام والكتائب المتشددة، وخصوصا بما يتعلق بقضايا المرأة فلم أكن بمأمن!
صحيح أن هناك مليون شخص أهم مني، ولكن أيضا الموضوع ليس سهلا أبدا!
فبين تهديد صريح هنا، وحادثة طعن هناك، ليس هناك أمان حقيقي!
ولكنني لم أعد أتحمل التقدم لدقيقة واحدة باسمي المستعار بعد موقف حدث معي وكان الفيصل في قرار العودة لاسمي الحقيقي!
كانت محاضرة للدكتور عبد الكريم بكار، وشاركتُ فيها بمداخلة أثارت الانتباه، والاهتمام. ولكن حدث بعدها شيء غريب، قام أحد الحاضرين بمداخلة أعادت إلي صوتا ما سمعته منذ عشرين عاما!
لم أخطّىء نفسي، إنه ذات الصوت: صوت الدكتور صديق والدي العزيز .
بعد المحاضرة نظرت إليه فإذا هو فعلا ذات الشخص! ألقيت عليه السلام وعرفته بنفسي، طبعا في آخر مرة رآني كنت طفلة صغيرة، كان من المستحيل أن يعرفني، لكنه عرَفني باسمي، اسمي الحقيقي الذي كنت لا أستخدمه في عملي ونشاطي في إعلام الثورة!
أهلين يا عمو! رحب بي ترحيبا شديدا، فكلمته قليلا عن أحوالي و عملي وأخبرني عن نشاطاته القادمة ، ثم قام بتعريفي بشكل شخصي ومذهل بالدكتور بكار والمجموعة التي كانت معه!
عرفني بطريقة مذهلة، إنها فلانة، بنت فلان وجدها فلان وتكلم وتكلم حتى استحييت من شدة افتخاره بي وبجديَّ رحمهما الله.
ثم سألني الدكتور بكار: ممكن تعيدي تذكيرنا باسمك!
هنا أحسست بنفسي أصغر وأصغر لأنني ببساطة سأشكل قطيعة مع هذا الأصل كله، لأصبح كطحلب يطفو على سطح الماء، أو على سطح القناة:
شمس الهادي!
احمر وجهي وكانت لحظة القرار!
انتهى الأمر إذن، أنا التي سأدفع الثمن!
بعد ذلك اليوم غيرت اسمي في كل وسائل الاتصال، وعلى صفحتي على فيس بوك.
أرسلت لمسؤولي في صحيفة القدس العربي أخبره:
منذ الآن وصاعدا سأنشر باسم:
نور ملاح!
رد علي: أهلا نور!
يا الله كم كانت سعادتي كبيرة!
إنه يخاطبني باسمي الحقيقي!
اكتملت الفرحة عندما بدأت تنشر مقالاتي باسمي الحقيقي!
أخيرا تخلصت من حالة انفصام الشخصية!
أخيرا توحدت مع ذاتي، وعائلتي ووالدي وأجدادي وزوجي وأصلي و اسمي في الهوية وجواز السفر.
لاحقا قامت إدارة الفيس بوك بإغلاق صفحتي على الفيس بوك مع صفحات عدد من ناشطي الثورة، لأطلق صفحة جديدة باسمي الحقيقي منذ اليوم الأول.
إن مكوني الشخصية العام والخاص الباطن والظاهر عندما يجتمعان معا، يشكلان جناحين يسمحان للإنسان بالطيران!
إنه يعرف أن الطريق طويل!
أقله هو يحاول، ويعيش كل يوم في رحلة لا تنتهي نحو النور!

الضياع بين الهويات المتعددة أمر متعب جدا للإنسان على المدى الطويل، ولو فرح به مؤقتا على المدى القصير.
الفرق بين ما أنت عليه حقيقة و ما تظهر به ولو كان اسما، أمر متعب جدا!

الانسجام بين كل مكوناتنا، والصدق والشفافية والمراجعة الدائمة للذات لتكون على طريق الحق وترضي الضمير أمر هام جدا.
لذلك يضيع الكثير من الشباب العربي المسلم في الغرب بسبب حالة انفصام الهوية أو الهويات المتعددة.

التوفيق بينها ليس صعبا، ولكن القطيعة مع الجذور تشكل عذابا حقيقيا، قد يدفع بهم لتصرفات متطرفة، تعوض عن تطرفهم في الاتصال بهويتهم الغربية، لأنهم فشلوا في تحقيق الانسجام بين مكوني هويتهم الأساسيين.

إنه يشرب الخمر، ويسكر لكن اسمه محمد، إنه يتعذب ويتمزق لأنه في داخله يعرف أنه يشكل قطيعة مع دينه وجذوره وتاريخه، واسمه محمد!
محمد قد يستيقظ ضميره ويقرر العودة للجذور فجأة بعنف، كما انفصل عنها بعنف!

ما الطريقة، إن لم يعطه الله العلم والفهم ويهيئ له رفقة صالحة:

محمد سيقوم بالتفجير، تفجير المكون الآخر من هويته، معتمدا على شعوره بعدم الانتماء والظلم الاجتماعي والسياسي الذي تتعرض له جذوره!
محمد ينفجر ويفجر معه الجذور والفروع والكل يدفع الثمن!

رحم الله محمدا ورحم ضحاياه، لو كان هناك من أخذ بيد محمد ليتخلص من حالة انفصام الهوية، إلى تكامل مكوناتها النافعة ليكونا جناحين للارتقاء، كنّا صرنا بحال أفضل من هذا بكثير!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد