صرحت الخارجية الروسية بحق بلادها في الدفاع عن نفسها استناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة في أعقاب تفجير الطائرة الروسية A321 في سيناء المصرية، ما أثار التكهنات بشأن احتمالية التدخل العسكري الروسي في سيناء تحت مظلة ملاحقة تنظيم داعش، الذي أعلن مسؤوليته عن تفجير الطائرة.
وأعلن مدير جهاز الأمن الروسي، الثلاثاء 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أن طائرة А321 التابعة لإحدى شركات الطيران الروسية تحطمت فوق شبه جزيرة سيناء المصرية في 31 تشرين الأول/أكتوبر جراء عملٍ إرهابي باستخدام قنبلة "منزلية الصنع تحتوي على حوالي كيلوغرام واحد من مادة (تي.إن.تي) شديدة الانفجار".
المادة 51
وتنص المادة 51 من الميثاق الأممي على أنه "ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة"، وهو ما فسره مراقبون بأن روسيا تسعى لاستثمار حادث التفجير في السعي إلى فرض تواجدها العسكري في سيناء.
وزير الدولة المصري للشؤون القانونية والمجالس النيابية الأسبق "محمد محسوب"، خصّ الأناضول بتصريحاتٍ أكد فيها "وقوف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مكتوف اليدين أمام نوايا روسيا المعلنة في حقّها بملاحقة الإرهاب الذي تعتقدُ أنّه يهدد أمنها القومي خارج أراضيها".
وبحسب محسوب، فإنّ روسيا بإمكانها التدخل في مصر استناداً إلى "موقف السيسي الذي أيّد بشكلٍ رسمي التدخل الروسي في سوريا، تحت ذات الذريعة التي ساقتها موسكو لملاحقة الإرهاب وضربه في سوريا".
ويعتقدُ الوزير المصري الأسبق أنّ روسيا ستعمل مستقبلاً على "تكثيف تواجدها في سماء سيناء باستخدام الطائرات دون طيار وطائرات الاستطلاع؛ في وضعٍ شبيه إلى حدٍّ ما بالتواجد الأميركي في سماء اليمن".
"وترغب موسكو في فرض مبدأ قبول تواجد عسكري روسي، يمكن تطويره لتحويل مصر إلى قاعدةٍ متقدمة، كتعويضٍ عن خسارتها لقواعدها في سوريا"، بحسب تصريحات محسوب.
فرض واقع جديد
ومن وجهة نظره، تُصرّ روسيا على "فرض واقعٍ جديد يُفضي إلى إقرارٍ إقليمي، وربما دولي، بمشروعية النفوذ الروسي في مصر باعتماد الأساس القانوني الذي تعتمد عليه الدول المهيمنة على النظام الدولي وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".
وحذّر محسوب من "خطورة ما قد يحدث مستقبلاً"، واصفاً الوضع الراهن بأنه "بدايةً مؤلمةً لحقبةٍ تستدعي منّا تحمُّل واجبات الدفاع عن استقلال مصر وسيادتها".
وحول إعلان جهاز الأمن الروسي رصد مكافأة قيمتها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى مرتكبي الحادث، رأى إبراهيم المنيعي، رئيس اتحاد قبائل سيناء المصرية، أن الإعلان له دلالات مهمة، حيث "خاطبت روسيا الشعب المصري بشكل مباشر متجاوزة القيادة الرسمية، بما يعكس إدراك موسكو لطبيعة العلاقة الهشة بين الحكومة والشعب في مصر".
لكنّه قلّلَ من احتمالات تأثير ذلك على العلاقات بين البلدين، مؤكداً "عدم استعداد الحكومة المصرية لخسارة علاقاتها مع أيّة دولة".
وأكد المنيعي في حديثه للأناضول "وقوفه ضد التدخل الروسي حتى وإنْ كان تحت يافطة المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة"، لكنّه استدرك قائلاً إنّ "الشعب السيناوي قد يؤيد تدخلاً ملتزماً بالعقلانية، وتنفيذ عمليات خاصة مستندة إلى معلومات استخباراتية دقيقة لا تلحق أيّ ضرر بالأبرياء"، مضيفاً أنّه وبخلاف ذلك "سيُعطي دعماً لتنامي وتعاظم تنظيم داعش في سيناء الذي نفّذَ عمليته نكايةً بالحكومة المصرية"، بحسب قوله.
معالجة أمنية خاطئة
واستهجنَ رئيس اتحاد قبائل سيناء "الدعوات التي تُطلقها الحكومة المصرية للتعاون والتنسيق بشأن مكافحة الإرهاب في الوقت الذي تُسهم في خلقه وتناميه؛ من خلال ممارساتها القمعية ضدّ الشعب السيناوي، ووضع أبنائه جميعاً تحت طائلة استحقاق العقاب الجماعي بتهمة الإرهاب، دون تمييز".
وكشفَ المنيعي عن حوالي 12 ألف معتقل من أبناء سيناء، وأكثر من 1000 قتيل منذُ إطلاق الحكومة حربها "على التنظيمات الإرهابية في سيناء، إضافةً إلى 1200 حالة إعدامٍ ميدانية دون إجراءاتٍ قضائية، وتوثيق أكثر من 400 حالةَ اختفاءٍ قسرّي".
ورأى أنّ ما وصفه بـ"المعالجات الأمنية الخاطئة" قد ساعدت في "زيادة أعداد المنتمين إلى تنظيم داعش إلى أكثر من 1000 مسلحٍ، وعشرات الآلاف من المناصرين والمؤيدين، في وقتٍ كانت أعدادهم لا تصلُ إلى 50 مسلحاً مطلع عام 2013".
ويجدُ الباحث المصري عامر عبدالمنعم في رصد المكافأة الروسية للوصول إلى المتورطين في حادث إسقاط الطائرة الروسية؛ وإعلان الأمن الروسي ذلك في خطابٍ موجّهٍ للشعب المصري مباشرةً، أنّه يأتي "نتيجةً منطقيةً لعدم مبالاة روسيا بالسيادة المصرية".
وعزا تصرف روسيا إلى كونها "تتصرف كقوّةِ احتلالٍ في عموم المنطقة من منطلق نظرتها إلى نفسها كإمبراطوريةٍ تريدُ فرض هيمنتها على الشرق الأوسط".
لكنّهُ من جانبٍ آخر، رأى في الإعلان الروسي "محاولة لامتصاص رد الفعل الداخلي الروسي، والحدّ من تنامي المعارضة التي تكبُرُ يوماً بعد آخر في الأوساط الروسية ضدّ التدخل العسكري في سوريا".
ورقة ضغط
ويعتقدُ عبدالمنعم أنّ الرئيس الروسي "يستخدمُ تفجير الطائرة كورقةٍ للضغط على النظام المصري، ووضعه تحت التهديد، ليضمن استمرار تعاونه وتحالفه مع روسيا"، منوّهاً إلى أنّ ذلك يندرجُ في إطار الصراع على "النفوذ في مصر بين الروس من جهةٍ، وأميركا وحلف الناتو من جهةٍ أخرى".
وبحسب الباحث المصري عامر عبدالمنعم فإنّ "الولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية، سبقَ لها أنْ طرحت مشاريعَ لتدويل سيناء، وتقوية وجودهم العسكري فيها"، وهو الأمر الذي يحثُّ روسيا على استغلال إسقاط الطائرة "لفرض وجودها العسكري في منطقةٍ استراتيجيةٍ مهمةٍ في معادلة الصراع مع حلف الناتو".
من جانبه، استبعدَ الباحثُ العراقي في شؤون الجماعات المسلحة، خالد القيسي، المعروف باسم أبوالوليد السلفي، نجاح روسيا في الوصول إلى الفاعلين عن طريق تخصيص مكافأةٍ ماليةٍ؛ وذلك "لعدم اكتراث المقرَّبين من الفاعلَين الاثنين، أبوأسامة المصري ومساعده الشيخ كمال علّام، بالمكافأةِ الروسية".
كما أكّدَ القيسي أن روسيا "تبحث عن موطئ قدمٍ لها في مصر بعد أنْ وصلت إلى قناعةٍ بفقدانها سوريا يوماً ما؛ لهذا ستفعلُ كلّ ما من شأنه أنْ يؤدي إلى استمرار علاقاتها مع الحكومة المصرية التي أثبتتْ تبعيتها لسياسات موسكو من خلال تأييدها التدخل العسكري الروسي في سوريا".
وأضاف أنّ سياسات الحكومة المصرية تحكمها "استدراج المساعدات الاقتصادية والعسكرية من أيّة جهة كانت، حتى لو كانت على حساب المبادئ والقيم التي تتمسك بها الحكومات ذات السيادة"، بحسب توصيفه.
تعاون عسكري
وفي الجانب العسكري، يتوقع القيسي استمرار العلاقات العسكرية بين البلدين باستخدام الطائرات دون طيار بعد أنْ "يستكملَ الجانب الروسي بناءَ شبكةٍ من المتعاونين معه على الأرض، لتتبع مواقع تنظيم ولاية سيناء، ورصد تحركات قياداته، وكوادره".
وختم الباحث في شؤون الجماعات المسلحة، العراقي خالد القيسي، حديثهُ بتأكيده "عجز حكومة عبدالفتاح السيسي عن القضاء على تنظيم ولاية سيناء، رغم إطلاقها عملياتٍ عسكريةٍ كُبرى"؛ مشيراً إلى قناعته بأنّ روسيا "تُدركُ ذلك العجز، وتحاول استثماره لمزيد من النفوذ داخل المؤسسات الأمنية، والعسكرية، المصرية".
يُذكر أنّ الطائرة الروسية А321 قد تحطمت في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2015 أثناء قيامها برحلةٍ من مطار شرم الشيخ المصري إلى مدينة سان بطرسبرغ الروسية، وقُتلَ جميع الأشخاص الـ224 الذين كانوا على متنها.
وكانت مصادر غربية قد أكدّت قبل الاعتراف الروسي بعدةِ أيامٍ أن الطائرة الروسية قد سقطت بقنبلةٍ مزروعةٍ تأكيداً لما أعلنه تنظيم داعش (ولاية سيناء) عن مسؤوليته، دون الإفصاح عن آليات التنفيذ الذي قال إنّه سيكشف عنها في وقتٍ لاحق.