ربما للمرة الأولى منذ أن سطت إدارة الجنرالات على حكم مصر في صيف 2013 وأسست قتلا وقمعا وتعذيبا وتزييفا للوعي لسلطويتها الجديدة، أمامنا فرصة واقعية لكشف ظلمها وفشلها وطبيعتها الهزلية للناس.
تراكمت المظالم والانتهاكات، فاقتربت جرائم سلب الحرية والتعذيب والقتل من دوائر حياتنا الخاصة والأسرية والمهنية وشبكات الأصدقاء وما عاد بيننا غير قليلين لا تجمعهم الروابط الإنسانية بضحايا السلطوية المتزايدة أعدادهم.
تراكمت المظالم والانتهاكات، وتغلب صدق القليل الذي خرج إلى الناس موثقا معاناة الضحايا من الشباب أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل وعلاء عبد الفتاح وإسراء الطويل وعمرو علي وغيرهم إلى البرلمانيين محمود الخضيري ومحمد سعد الكتاتني وعصام سلطان وغيرهم على زيف المجال العام الذي أطلقت فيه السلطوية الجديدة خدمتها تبريرا لجرائمها.
تراكمت المظالم والانتهاكات، ليتصاعد تداول شبكات التواصل الاجتماعي وقليل من المساحات الإعلامية التقليدية للشهادات الشخصية لضحايا التعذيب وتقارير المنظمات الحقوقية التي توثق للاختفاء القسري والقتل في أماكن الاحتجاز والقتل خارج القانون، ولتحرم السلطوية من إمكانيات تجميل صورتها في الخارج قبل الداخل بقرارات عفو رئاسية أو بتأجيل تنفيذ أحكام الإعدام المتوالية.
تراكمت شواهد فشل إدارة الجنرالات في النجاة بمصر من أزماتها. سطا الجنرالات على الحكم في صيف 2013 وطلبوا "تفويضا شعبيا" لمواجهة الإرهاب، وبعد مرور أكثر من عامين على هيستيريا التفويض الشعبي التي مكنت الآلة الأمنية من العصف بسيادة القانون وارتكاب جرائم مروعة وتجاوز ضمانات التقاضي العادل والاستخفاف بكل صوت أصر على حتمية المزاوجة بين مواجهة أمنية للإرهاب تلتزم معايير حقوق الإنسان وبين سياسات تنموية تحول دون التورط في جرائم كتهجير بعض أهل سيناء من مناطق عيشهم وتنفتح على مضامين العدل الاجتماعي وتحسين أحوال الناس، مازالت عصابات الإرهاب تزداد توحشا وتسقط ضحايا أبرياء من القوات المسلحة والشرطة ومن المدنيين وتعتاش على بيئات مجتمعية قابلة للعنف وعلى النزوع للتطرف الذي ينتجه الظلم الذي يصنع داخل أماكن الاحتجاز جيلا جديدا من ممارسي العنف.
سطا الجنرالات على الحكم في صيف 2013، وخرجوا على الناس بخطاب "الاستقرار" المعتاد ووعود "الإنجازات الكبرى" لكي يقايضوا المواطن سلطويا "استقرارك وأمنك وتحسين ظروفك المعيشية نظير انتهاك حقك وتقييد حريتك ونظير صمتك على الظلم" ولكي يزيفوا وعيه ويدفعوه إلى تأييد الحاكم الفرد / البطل المنقذ دون مساءلة أو محاسبة. غير أن تردد إدارة الجنرالات فيما خص الاختيارات الرئيسية لسياستها الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك تقلبها بين تحالف مع نخب الثروة والنفوذ وبين بعض القرارات الشعبوية المعدة للاسترضاء المؤقت للأغلبية الفقيرة ومحدودة الدخل باعدا بين البلاد وبين خروج حقيقي من أزماتها، تماما كما قوضت ثنائية غياب العدل وحضور الظلم مقومات السلم الأهلي وجعلت التعافي الاقتصادي والاجتماعي مستحيلا.
ولأن شواهد عجز إدارة الجنرالات عن مواجهة الإرهاب بفاعلية وعن تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لم تتأخر طويلا، توغل السلطوية اليوم في الاعتماد الأحادي على آلتها الأمنية وفي توريط المؤسسات والأجهزة الرسمية في الظلم والقمع على نحو يجردها من ثقة الناس ويهدد شرعية الدولة الوطنية، وتسرف أيضا في صناعة مظاهر زائفة وهزلية لتأييد شعبي ينحسر.
وإذا كانت السخرية من زيف وهزل السلطوية تعبر بتلقائية عن حال المواطن الواعي، فإن نفس المواطن يرفض السخرية من أزمات الوطن التي تغرقه بها إدارة الجنرالات، ويبتعد عن الرقص غير الأخلاقي على دماء وأشلاء ضحايا كارثة كتحطم الطائرة الروسية في سيناء لتسجيل نقاط سياسية متهافتة، ويقاوم نسيان أن هزل السلطوية يقابله ظلمها الذي يسقط يوميا ضحايا جددا. هذا المواطن الواعي ينتظر منا نحن كشف ظلم السلطوية وفشلها وعدم الاكتفاء بالسخرية من هزلها، والأهم أنه ينتظر منا اليوم طرحا جادا لكي ينعتق الوطن من إدارة الجنرالات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.