فرضت الهجمات الأخيرة التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس الجمعة 13نوفمبر/تشرين الثاني2015 تساؤلات حول فشل وكالات الاستخبارات الفرنسية في وقف تلك الهجمات.
بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، فقد فشلت الاستخبارات الفرنسية في التعاطي مع المعلومات التي كانت متاحة أمامها قبل هجمات باريس.
نقص الكوادر المهنية
التقرير أشار إلى أن الاستخبارات الفرنسية تواجه بشكل دائم المعضلة الناجمة عن الفجوة بين الكوادر المتوفرة والعدد الهائل من الأشخاص المشتبه بهم.
فالعدد التقريبي لكوادر الاستخبارات والشرطة الفرنسية يقدّر بحوالي 500-600 عنصر مهمتهم هي التتبع المستمر للأشخاص المشتبه بهم، لكن ثمة حوالي 11 ألف شخص مصنفون في سجلاتهم كتهديدات محتملة على الأمن القومي.
وللقيام بعملية مراقبة لشخص واحد لمدة 24 ساعة، يتطلب الأمر 30-40 شخصاً، لذا عليهم اتخاذ قرارات صعبة حول تحديد الأشخاص الأكثر أولوية فيما يتعلق بعملية المراقبة.
وصول أسرع للبيانات
وكان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي، جيمس كومي، اشتكى الأربعاء الماضي من أن الكثير من بيانات الإنترنت أصبحت خفية، وقال كومي إن الاستخبارات والوكالات الأمنية الأخرى بحاجة إلى وصول أسرع وأفضل لبيانات الاتصالات.
الحجة الواضحة هي أنه حين يكون لديك القدرة على الوصول لكل البيانات التي تريدها، سيكون من الأسهل الحفاظ على الأمن.
ويضيف التقرير حين وقوع هجمات كتلك التي رأيناها في باريس، تقول الوكالات أنها بحاجة إلى البحث مجدداً عن البيانات المتوفرة لتحديد المشتبه بهم الذين كانوا نشيطين مؤخراً، وهو ما سيساعد في تحديد الشبكات ومنع هجمات أخرى محتملة.
المشكلة في هذا، مثلما في كل هجوم إرهابي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، هو أن الاستخبارات الفرنسية كانت تعرف على الأقل 3 من المهاجمين.
لم تتحرك وفق المعلومات
عبد الحميد أبا عوض كان معروفاً بارتباطه بجهاديين اثنين قُتلا في بلجيكا في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
وكانت الشرطة تملك ملفاً عن إسماعيل مصطافي حتى قبل أن يُسافر إلى سوريا في عام 2013، بينما اعتُقل سامي عميمور في عام 2012 بسبب الاشتباه في علاقته بتنظيمات إرهابية.
ويشير التقرير إلى أن فشل الاستخبارات الفرنسية لم يكن بسبب افتقارها إلى المعلومات، بل لأنها لم تتحرك وفق هذه المعلومات.
ربما كان الثلاثة يخضعون لمراقبة تقليدية، فبينما تصعب المراقبة المستمرة بسبب نقص الكوادر، تستلزم مراقبة الاتصال، عدداً أقل بكثير من الكوادر.
إن تتبع هؤلاء الأشخاص لا يتطلب جمع بيانات الاتصالات -السجلات الهاتفية، الرسائل الإلكترونية، منشورت فيسبوك أو برامج المحادثة- لكل مواطن فرنسي، تكفي مراقبة المشتبه بهم فقط.
إحدى الحجج التي طرحها كومي ومدير الاستخبارات المركزية، جون برينان، هو أن الإرهابيين أصبحوا أفضل في الاتصالات الخفية، لكن الهاتف الذي قاد الشرطة إلى مخبأ سان دوني كان يحتوي على نص غير مشفّر.
نقص التعامل مع الاستخبارات الأوروبية
التقرير يؤكد على أن أحد عوامل فشل الاستخبارات الفرنسية لم يكن متعلقاً بالافتقار إلى كادر كاف للمراقبة، بل بسبب الافتقار إلى التعاون بين وكالات الاستخبارات الأوروبية التي تتردد في مشاركة معلوماتها بسبب مخاوف من تسريبات محتملة، وحتى حين تتعاون، تكون العملية بطيئة حتى فيما يتعلق بأشياء بسيطة كالترجمة.
تحذير السلطات العراقية للاستخبارات الفرنسية من هجوم محتمل قوبل بالتجاهل، فالوكالات التي كثيراً ما تتلقى مثل هذه التحذيرات تحاول جاهدةً معرفةَ أيها يعكس تهديداً حقيقياً.
ويؤكد التقرير أن الإهمال الأكثر خطورة هو فشل الفرنسيين في الاستجابة للحكومة التركية التي أظهرت مخاوفها تجاه مصطافي.
نستطيع أن نضيف إلى كل هذا، عدم التنسيق بين فرنسا وبلجيكا حيث كان يسكن بعض المهاجمين.
مثل هذه الإخفاقات هي ما يجب أن تهتم به الاستخبارات الفرنسية والأميركية، بدلاً من استغلال هذه المأساة للدفاع عن قوانين مراقبة البيانات.