بعد سنوات عاش فيها الألمان شعورا بأنهم في مأمن من تهديدات المتشددين الإسلاميين، ينتابهم الآن القلق من هجمات مماثلة لما وقع في باريس الأسبوع الماضي.
فقد ثقبت محاولات منفذي اعتداءات باريس شن هجوم انتحاري في إستاد لكرة القدم يوم الجمعة الماضي أثناء مباراة بين المنتخبين الفرنسي والألماني فقاعة الأمن الألمانية. وتضاعفت الصدمة يوم الثلاثاء حين ألغت السلطات مباراة ودية لكرة القدم أمام هولندا وأرجعت ذلك إلى خطر أمني ملموس.
وضرب التهديدان تلك الثقافة الرائجة في ألمانيا -بطلة كأس العالم- في الصميم وأثارا قلق شعب شعر لسنوات أن معارضته لحرب العراق ومشاركته المحدودة في أفغانستان ستجنبه أي استهداف.
وقال فرانتز جوزيف فاجنر وهو كاتب عمود بصحيفة بيلد واسعة الانتشار الخميس 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، "بعد إلغاء المباراة الدولية لم تعد ألمانيا كما عرفناها. لست بطلاً.. أنا أشعر بالقلق."
وقالت صحيفة بيلد إن عدداً من المهاجمين خططوا لتفجير عدد من الشحنات الناسفة في إستاد بهانوفر يوم الثلاثاء.
مزيج من الكفاءة والحظ
وقال وزير الداخلية توماس دي مايتسيره الأربعاء إن ألمانيا نجت بالكاد من هجوم هائل "بفضل مزيج من الكفاءة والحظ" مضيفاً "لا يمكن ضمان عدم وقوع هجوم إرهابي في ألمانيا".
ومثل فشل ألمانيا في تعقب خلية للقاعدة في هامبورج خططت لهجمات 11 من سبتمبر/ أيلول 2001 نقطة سوداء في سجلها لكن حقيقة أن الهجمات وقعت على الأراضي الأميركية جنبت الألمان أي شعور بمشكلة في الأمن الوطني.
وشددت ألمانيا الأمن في مواجهة المتشددين الإسلاميين وعززت التعاون بين وكالات الأمن العديدة في الولايات وعلى المستوى الاتحادي وكشفت مؤامرات عديدة لتنجو من حوادث على غرار الهجمات التي استلهمت نهج القاعدة وقتل فيها 191 شخصاً في مدريد عام 2004 و52 شخصاً في لندن في العام التالي.
حالة صدمة
ويعيش الألمان حالياً حالة من الصدمة بسبب الإدراك المفاجئ لأنهم هم أيضاً ربما يستهدفون. ولم يتعرض الألمان لمثل هذا الخطر منذ السبعينيات حين هاجمت جماعة الجيش الأحمر اليسارية المتشددة أهدافاً للنخبة من السياسيين والشركات في حملة اغتيالات وخطف وصلت ذروتها فيما عرف باسم "الخريف الألماني" في 1977.
واتسم رد المستشار الألماني وقتها هيلموت شميت بالعناد. فبعد عمليات قتل بارزة نفذها الجيش الأحمر قال شميت "يجب على الدولة… أن ترد على هذا بكل ما أوتيت من قوة."
ونال شميت الكثير من الثناء لرفضه الاستجابة لمطالب الجيش الأحمر بإطلاق سراح مقاتلين مسجونين. واستأنفت الجماعة حملتها لكنها لم تكن أبداً بنفس الشدة وتلاشت هجماتها تدريجياً خلال العقدين التاليين.
لا تتحدثوا عن الحرب
الحكومة الألمانية الحالية لا تشارك شميت نفس الدوافع. ومن واقع خبرات ما بعد الحرب من النمو الاقتصادي والسلام والوحدة عكست كلمات وتصرفات أعضاء الحكومة الحالية عزوف الألمان عن مواجهة النار بالنار.
وبينما أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند الاثنين الماضي أن "فرنسا في حالة حرب" فقد قال نائب المستشارة الألمانية زيجمار جابرييل بعدها بيوم إن الحديث عن حرب مع "الدولة الإسلامية" لن يفيد سوى التنظيم الذي يقف وراء هجمات باريس الدامية.
وبدت المستشارة أنجيلا ميركل منهكة بعد هجمات باريس وأعلنت بعدها مباشرة إننا "نبكي" مع الشعب الفرنسي.
وأرسلت حكومتها أسلحة لأكراد يقاتلون الدولة الإسلامية لكنها غير مستعدة للمشاركة في غارات جوية ضد التنظيم في سوريا رغم التعهد بالتضامن مع فرنسا.
وترغب ميركل أيضا في تجنب إفشال محاولات ألمانيا لدمج المهاجرين المسلمين لديها ومعظمهم من أصول تركية على عكس عرب شمال أفريقيا الذين انتقلوا إلى فرنسا.
وقال جون كورنبلوم السفير الأميركي السابق لدى ألمانيا "المسلمون في ألمانيا أتراك.. ألمان العالم الإسلامي. لا يوجد شيء في ألمانيا يشبه الضواحي في فرنسا أو الظروف في بريطانيا وبلجيكا."
وأضاف "لا وجود للمرارة الموجودة في بعض من هذه الدول."
"لا تتراجعوا"
يحث مسؤولون ألمان – من دي مايتسيره إلى من دونه – الألمان على عدم تغيير طريقة عيشهم. وقال شتيفان فيل حاكم ولاية ساكسونيا السفلى بعد التهديد الذي تعرض له إستاد كرة القدم في هانوفر "بالتأكيد لن أتراجع لأعيش في قوقعة."
لكن مسؤولين حكوميين يقرون أيضاً بأن الشعب قلق من خطر وقوع هجوم ومن المخاطر ذات الصلة بحدود ألمانيا المفتوحة وتبعات وصول مليون لاجئ تقريباً إلى ألمانيا هذا العام بينهم كثير من السوريين.
وقال هولجر ميونش قائد الشرطة الألمانية الأربعاء "لاحظنا أكثر من 60 محاولة من إسلاميين للتجنيد في معسكرات اللاجئين" مضيفاً أن الشرطة تعمل "بأسلوب الأزمات" في كثير من المناطق.
ويقول مسؤولون ألمان إن كثيراً من الناس يشعرون بالقلق لعدم وجود نهاية في الأفق للمخاطر على شاكلة ما وقع في باريس وبسبب الضغط على الموارد جراء تدفق اللاجئين على ألمانيا.
وهذه المخاوف على أشدها في ولاية بافاريا بجنوب البلاد التي تتحمل العبء الأكبر لوصول اللاجئين.
وقال فلوريان هان عضو البرلمان عن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي وهو حزب شريك لميركل في بافاريا "الناس قلقون جداً بطبيعة الحال.. نحن لا نخدع أنفسنا.