مِن جُرح باريس.. هل اضطهدنا العالم أم فقط نحن نحب الشعور بالدونية؟

التعاطف واجب إنساني بالطبع، ولكن فقط تذكّر معي عام ٢٠١١ كان شغل العالم الشاغل هي تلك التحركات الدائرة في الشرق الأوسط، توالت علينا تصريحات أوباما والأمم المتحدة اهتماماً وقلقاً وحزناً على الأحداث، في حين أنه في نفس النطاق الزمني حدثت سلسلة تفجيرات بالعراق قُتِل فيها أكثر من ٢٠ مدنياً، ومجاعات الصومال التي لا تنتهي، وكم من الكوارث لم نلتفت إليها التي تجاهلها مدنيو العالم وهم مهتمون بثوراتنا.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/18 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/18 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش

منذ ذلك العصر حين صارت الحرب شيئاً مألوفاً ولم يتوقف تدني المغزى من تلك الحروب، كان الأمر بدايةً دفاعاً ثم ثأراً، ثم صارت الحرب هي الأداة الأسهل لزيادة الموارد، ومع كل تلك الحروب المتتابعة وما يتبعها من صلاحيات أوسع وأشد بطشاً، صارت الحرب بحد ذاتها ملاذاً للحكام.

هل يوجد أجمل من قرارات دون حساب وتدخل في شؤون المواطنين وتقنين حريات بدون أدنى عتاب؟!

من هنا أصبحت حالة الحرب هي البيئة الخصبة للفاشية، صارت الحرب هي بالنسبة للحكام أفضل سلام.

كان هذا المفهوم متفشياً بين حكام الدول العظمى التي تهاوت بهم الحروب وهددت أمجادهم وهيبتهم، فصارت الحروب الأكثر قيمة هي تلك التي يعلنها الشعب على السلطة.

وبعد قرون من الصراعات الداخلية خرجت لنا تلك الدول متبنية الحرية والإنسانية بصورة نكاد نحسد شعوبهم عليها!

وبالطبع بما أن الشرق الأوسط بكل فاشياته كان تحت وطأة حكم تلك الدول الكبرى -والتي بالمناسبة وهبتها الحرية الزائفة بكامل إرادتها دون أدنى ضغوط! فكان من الطبيعي أن نمر بنفس تجربة الحرب اللامتناهية ولكن مع ملوك ليس فيهم من الملوك شيء، وزعماء لا يملكون من الزعامة غير الشهوات.

العرب اختاروا الطريق الأسهل، طريق الحرب الدائمة، طريق الدم والظلم فيه دون حساب، ذلك الجانب المحبب من الحروب دائماً.

عشرات السنين من الحروب الوهمية، معصوم فيها عن اللوم ويستحيل فيها العصيان هي جنة بالنسبة للحاكم وحاشيته.

صار السلام فيها حالة استثنائية، القتل والخراب شيء اعتيادي مناهضته أصبحت حملاً مرهقاً، ومع الوقت يصبح عملاً روتينياً مملاً.

لا أخفي عنك سراً، فهذا هو أسوأ ظرف لمطالبة الحرية والسلام، فهل من المنطق أن أنبهر وتُعصر مشاعرك لأحداث أصلاً أصبحت يومية وروتينية؟! هذا سيكون ادعاءً ساذجاً.

التعاطف واجب إنساني بالطبع، ولكن فقط تذكّر معي عام ٢٠١١ كان شغل العالم الشاغل هي تلك التحركات الدائرة في الشرق الأوسط، توالت علينا تصريحات أوباما والأمم المتحدة اهتماماً وقلقاً وحزناً على الأحداث، في حين أنه في نفس النطاق الزمني حدثت سلسلة تفجيرات بالعراق قُتِل فيها أكثر من ٢٠ مدنياً، ومجاعات الصومال التي لا تنتهي، وكم من الكوارث لم نلتفت إليها التي تجاهلها مدنيو العالم وهم مهتمون بثوراتنا.

ولكن لم يكن هذا هو مصدر اهتمامنا لأنه أصبح اعتيادياً، شيء عبرنا عن أسفنا حياله في أول الأمر حينما كنا بالفعل في صدمة حدوثه.

أما عندما نتحدث عن فرنسا فالوضع مختلف ولكن المنطق واحد، باريس منذ عصور هي من رموز السلام والجمال، إن أردت صفاءً لذهنك، إذا أردت جمالاً يُشفي عينيك أو موسيقى تطرب لها كل جوارحك ففي الغالب الإجابة تكون "باريس"، إذاً ما حدث في هذا البلد هو ما لم يروه منذ عصور، هو تماماً الحدث الكارثي الاستثنائي.

إذاً يمكننا القول بوضوح إن ما هو شيء اعتيادي في حالتنا هو استثنائي تماماً في حالتهم، وليس من الطبيعي أن يصبح العالم كل صباح ينعى ضحايانا، ولكن الطبيعي هو أن يعبر الناس عن دعمهم في بداية الأمر من باب الإنسانية، بعد ذلك سيُصبِح من الابتذال والسخافة أن أعبر لك عن حزني على حالك كل يوم! هذه هي الطبيعة البشرية، لا أحد يقول إنها شيء صحيح وحسن، ولكنه شيء لا دخل لنا به، هكذا تكون الواقعية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد