سيطرت حالة من الوجوم والخوف والصمت والترقب على اللاجئين الجدد في ألمانيا بعد الهجمات المسلحة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس مساء الجمعة 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ولم يقف الأمرعلى اللاجئين وحدهم، بل شهدت أوساط الجالية العربية المسلمة في ألمانيا حالة من القلق والتوتر، فقد وقع ما كانت تخشاه الجالية على الدوام.
الطالب الجامعي عبد السلام محمد، الذي يدرس في جامعة ميونيخ، قال "إن ما حدث في باريس سينعكس علينا هنا بشكل سلبي للغاية".
أم محمد، وهي لاجئة من سوريا وصلت إلى ألمانيا قبل 3 أشهر بعد رحلة مليئة بالمعاناة تقول، "نحن خائفون جداً من أن تتخذ إجراءات ضدنا بعد أن شعرنا بالأمان لأول مرة في ألمانيا".
وأضافت، "أنا وأولادي نفضل الجلوس في البيت طوال اليوم، ولا نرغب في الخروج حتي نتجنب ردود أفعال الناس، خاصة ونحن مهاجرون جدد، ولا نعرف ردة الفعل المحتملة من اليمين المتطرف وأعضاء حركة بيغيدا، التي تم تحذيرنا منها".
أعضاء الجالية المصرية، هم أيضا يشعرون بالقلق بعدما شاع خبر العثورعلى جواز سفر مصري في موقع الحادث، ليتبين فيما بعد أنه يخص شاباً مصرياً كان موجوداً في موقع الحادث وتعرض للإصابة ويتلقى العلاج في المستشفى الآن. وصرح خالد حسن المقيم في ألمانيا منذ 25 سنة أن الاعتداءات مأساة كبرى كنا سنتحمل وزرها لوكان ثبت أن من بين المهاجمين مصريين.
المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، من جهته حاول طمأنة المجتمع الألماني عندما أصدر بياناً أدان فيه ما حدث، ووصف الاعتداء بالجبان والغادر، وفي نفس الوقت ناشد وسائل الإعلام بتوخي الحذر في عدم إلصاق التهمة بالدين الإسلامي.
قال رائد، وهو صاحب مطعم أنه رغم أنه معروف للجميع أننا جالية مسالمة يبحث أفرادها عن لقمة عيشهم بشكلي سلمي تام، ونقدر دور ألمانيا التي فتحت لنا باب العيش والإقامة هنا بعيداً عن الحروب والدمار في بلادنا، لكننا خائفون من ردة الفعل تجاهنا.
أما مراد أوزلوم وهو البالغ من العمر 65 سنة، على المعاش، والذي كان جالساً في المسجد التركي الواقع في شارع شفنتالر شتراسة في مدينة ميونيخ، قال إن ماوقع لايمكن أن يتم ربطه بالإسلام، فما حدث هو قتل وغدر وخيانة لأناس أبرياء قد يكون من بينهم من قدم مساعدات للاجئين الذين دخلوا أوربا مؤخراً.
ويقول شيخ تركي بالمسجد إن مصير اللاجئين هنا بات مجهولاً، لقد تعاطفت ألمانيا بقوة مع اللاجئين بعد نشرصورة الطفل السوري إيلان على شواطئ تركيا لكننا اليوم نشعر بأننا نعود لنعيش أجواء 11 سبتمبر من جديد.
الحكومة الألمانية تطمئن
الحكومة الألمانية من جانبها تعلم مدى حالة الخوف التي أصابت الجالية المسلمة بعد تبني داعش لهجمات باريس، لذلك سارع وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير بمطالبة المجتمع الألماني بتوخي الحذر وعدم ربط النقاش حول أزمة اللاجئين في أوروبا مع الهجمات الدموية على باريس.
وقال: " أقول كوزير وكسياسي مسؤول في ألمانيا إنه لا يجب ربط النقاش بين الهجمات الإرهابية وبين أزمة اللاجئين".
وبعثت المستشارة الألمانية برسالة طمأنة للمهاجرين عندما شددت في تصريح لوكالة فرانس برس على القيم التي يتعين ترسيخها في أوروبا أكثر من أي وقت مضى، وذلك فى إشارة إلى اللاجئين، حيث قالت إن حياتنا الحرة أقوى من كل الرعب الذي حدث، ونحن نتغذى في حياتنا من قيم الإنسانية ومحبة القريب، وفرح العيش معاً، وإننا نؤمن بحق كل شخص في أن يسعى وراء السعادة وأن يعيشها، ونؤمن باحترام الآخرين وبالتسامح بين طوائف المجتمع.
أيضاً حذر نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زيجمار جابريل من إثارة التحفظات حيال اللاجئين المسلمين.
وفي عام 1993 بدأت معاناة المسلمين في أوربا تتزايد على خلفية الهجمات الإرهابية، مع أول قنبلة عام 1993 في مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة، وبعدها بـ8 سنوات وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 المروعة، وفي عام 2004 حدثت انفجارات قطار مدريد الذي قتل فيه 191 شخصاً وأكثر من 3000 جريح، ثم انفجارات لندن في عام 2005 التي قتل فيها 52 شخصاً و700 جريح وكلها أحداث عانى المسلمون من تبعاتها بشدة.
الصحافة تحذر
وطالب الكثيرون من كتاب الصحف الألمانية بضرورة توخي الحذر وعدم الضغط على المسلمين.
لكن ما حدث في بولندا المجاورة لألمانيا مؤخراً لا ينذر بخير ويشير إلى أن هناك تصعيداً أوروبياً سيتم اتخاذه حيال اللاجئين خاصة إذا ما ثبت أن الإرهابين قد دخلوا إلى أوربا في موجات الهجرة الأخيرة.
فقد أعلن وزير الشؤون الأوروبية الجديد البولندي كونراد زيمانسكي السبت، أن بلاده ستتوقف عن استقبال لاجئين بموجب البرنامج الأوروبي المختلف عليه لتوزيع اللاجئين بين الدول الأعضاء في الاتحاد، وذلك عقب اعتداءات باريس، هذا الأمر يؤكد أن مستقبلاً ضبابياً ينتظر اللاجئين الذين يهربون من مناطق الصراع في الشرق الأوسط.
وغالباً لن تعود الحدود الأوروبية مفتوحة على مصراعيها كما كانت من قبل، وحرية التنقل لن تكون متاحة للجميع ، ولن يستطيع اللاجئون التحرك بحرية.
فقد أوقفت السلطات الفرنسية العمل بتأشيرة شنجن التى تسمح لجميع حامليها بالتنقل بين الدول الأوروبية، والسماح لمواطني الدول الأوروبية فقط بالسفر إلى باريس، إضافة إلى فرض حالة من الطوارئ بالبلاد، وهى القرارات التى تعزز الاتجاه الأوروبي السائد بشأن إعادة النظر فى منظومة الرقابة الحدودية بين دول "الشنجن" على خلفية تزايد أعداد اللاجئين.
من جهتها كانت وزارة الداخلية الألمانية قد أعلنت عن عزمها إعادة العمل بـ"اتفاقية دبلن" عقب تجميدها لأشهر، مما يعني إعادة اللاجئين إلى الدول التي عبروا منها باستثناء من تم تسجيله.
ويعتقد المراقبون أن استمرار هذه الأصوات المدافعة عن استقبال اللاجئين، لن يصبح منطقياً فى ظل حالة الغضب العارمة التي أصابت الدول الأوروبية عقب هجمات باريس.