جواز السفر السوري في مسرح هجمات باريس.. لم يجب التعامل معه بحذر؟

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/15 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/15 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش

أحد التفاصيل المثيرة حول هجمات باريس هو جواز سفر اللاجئ السوري الذي عُثر عليه بجانب جثة أحد الانتحاريين.

مصادر في الحكومة اليونانية قالت إن شخصاً من بين اللاجئين الذين وصلوا إلى الجزر اليونانية في بداية أكتوبر/تشرين الأول استخدم جواز السفر، ثم قالت الحكومة الصربية أن نفس جواز السفر استُخدم مرة أخرى لعبور حدودها الجنوبية بعدها بأيام قليلة.

وأعلنت أثينا الأحد 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أن جواز السفر السوري الذي أعلن العثور عليه قرب جثة أحد منفذي اعتداءات باريس مساء الجمعة يحمل اسم أحمد المحمد (25 عاما) المولود في العاشر من سبتمبر/أيلول 1990، وكان قدمه طالب لجوء وصل إلى اليونان قبل أن يسلك طريق البلقان.

وقال وزير سياسة الهجرة يانيس موزالاس إن الشخص الذي قدم هذا الجواز تم تسجيله في جزيرة ليروس قبالة السواحل التركية 23 أكتوبر/تشرين الأول ثم غادر اليونان في تاريخ غير معروف وشوهد للمرة الأخيرة في كرواتيا بعد بضعة أيام.

بدورها، أكدت السلطات الكرواتية أن المحمد عبر أراضيها، وقالت المتحدثة باسم الشرطة هيلينا بيوسيتش "لم نعتبر هذا الشخص مشتبها به".

مخاوف من تسلل جهاديين

زاد هذا الاكتشاف من المخاوف حول متسللين من تنظيم "الدولة الإسلامية" ( داعش) بين آلاف اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا وفق تقرير نشرته صحيفة الغادريان البريطانية.

وصرّح حلفاء المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، عن مخاوفهم الأمنية تجاه سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها المستشارة، بين هؤلاء كان وزير المالية البافاري ماركوس سودر الذي صرّح لجريدة ألمانية بأن "أيام الهجرة غير المراقبة والدخول غير الشرعي لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة." مضيفا أن هجمات "باريس غيرت كل شيء".

في بولونيا، تستغل الحكومة الجديدة الحدثَ لتتراجع عن اتفاق تستقبل بموجبه عدة آلاف من اللاجئين السوريين. بينما قررت الصفحة الرئيسية لصحيفة دايلي ميل البريطانية وبشكل قاطع أن المهاجمين "تسللوا إلى أوروبا كلاجئين سوريين".

لا يجب استبعاد هذه المخاوف مسبقاً، فآلاف اللاجئين يصلون إلى الجزر اليونانية كل يوم، ورغم أنه يتم تسجيلهم قبل أن ينتقلوا إلى بقية المناطق اليونانية، إلا أن العملية شكلية نوعاً ما ولا تتضمن تحقيقاً مطولاً.

خلال عملية التسجيل التي شهدتها صحيفة الغارديان خلال الصيف الفائت، كان على اللاجئين فقط إظهار هوياتهم للسلطات اليونانية، قبل أن يُسمح لهم بالمغادرة بعدها بدقائق، بدون أي تحقيق.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، بدأت عملية أخذ بصمة كل لاجئ يصل، لكن المسؤولين لا يملكون الوقت ولا المصادر للتأكد مما إذا كان اللاجئ له علاقات بجماعات مسلحة أم لا. وهكذا، إذا أراد إرهابي الوصولَ إلى أوروبا عبر الجزر اليونانية، فالأمر بسيطٌ نسبياً.

لم يجب التعامل مع جواز السفر السوري المكتشف بتحفظ؟

توجد أسبابٌ عديدة تجعل انتظارَ انكشافِ كل الحقائق أمراً مهماً قبل الربط بين الهجمات في باريس وأزمة اللاجئين.

داعش

السبب الأول سببٌ عام: انتقدت داعش اللاجئين الذين يفرون إلى أوروبا في أكثر من 12 مناسبة.

كتب آرون زيلين، المتخصص في شؤون الجهاد، تعليقاً على الإنترنت عن الهجمات "الحقيقة هي أن داعش تمقت الأشخاص الذين يهربون من سوريا إلى أوروبا، فهم يسيئون إلى رسالة التنظيم القائلة بأن خلافتها هي الملجأ". لذا، من المستبعد أن تكون غالبية اللاجئين السوريين الهاربين إلى أوروبا مؤيدين لداعش، إذ تتناقض أفعالهم بشكل واضح مع مبادئ التنظيم.

التأكد من هوية صاحب الجواز

السبب الآخر للحذر أكثر تحديداً. لا يزال على المحققين التأكد من أن جواز السفر السوري كان بحوزة أحد المهاجمين وليس أحد المارين الذين قُتلوا (فقد حدث أن اعتقد المحققون أن حامل جواز سفر مصري كان أحد المهاجمين، وتكشّف لاحقاً أنه ضحيةٌ مصابة). ثم عليهم التأكد أن حامل الجواز كان صاحبه الحقيقي.

من الممكن أن يكون الجوار قد سُرق

لأن امتلاك جواز سفر سوري يسهّل طلبَ اللجوء في أوروبا، فثمة تجارةٌ مزدهرة في بيع جوازات السفر السورية المسروقة. وصف سوريون في مقابلة على الحدود بين اليونان ومقدونيا كيف تمَّ سلبُ جوازات سفرهم بعد مغادرتهم الجزر اليونانية وأثناء سيرهم شمالاً عبر دول البلقان.

يُمكن بيع هذه الجوازات بمبالغ قد تصل إلى عدة آلاف يورو، في تجارة تصفها وكالة حدود الاتحاد الأوروبي بـ"مشكلة تتزايد تعقيداً". التزوير شائعٌ أيضاً، فقد رأينا صحافياً هولندياً يكشف جوازاً مزوراً باسم رئيس وزراء هولندا.

هل سيصطحب جهادي جواز سفره في مهمة انتحارية؟

السبب الثالث هو حقيقة أن جواز السفر المعني "عُثر عليه". يجد المحللون غرابةً في أن شخصاً انتحارياً سيتذكر جلب جواز سفره في مهمةٍ، خاصة وأنه لم يكن لديه نيةُ العودة حياً.

وقال المحلل المتخصص في الإسلام المتطرف، تشارلي وينتر "لمَ سيأخذ جهادي يرفض كل مظاهر المواطنة الحديثة جواز سفره معه في مهمة انتحارية بحيث يُعثر عليه".

الخلافة أمل اللاجئين في الحماية

أحد النظريات تقول أن داعش تريد أن تنقلب أوروبا على اللاجئين السوريين. هذا سيكرس فكرة الانقسام غير القابل للحل بين الشرق والغرب، بين المسيحيين والمسلمين، بحيث يقتنع السوريون أن خلافة الدولة الإسلامية هي أملهم الوحيد في الحماية.

ولخص إياد البغدادي، الناشط والمتابع لشؤون الجهاد، المسألة بالتغريد على تويتر قائلاً "هل تعرفون ما الذي أثار سخط داعش على أوروبا؟ لقد كان مشاهدتهم للاستجابة الأخلاقية الإنسانية للغاية التي أظهرتها أوروبا تجاه أزمة اللاجئين".

ما الحل؟

سواءٌ كان جواز السفر مسروقاً أو مزروعاً، مزوراً أو أصلياً، فإن على المحققين أن يكتشفوا الحقيقة بالسرعة الكافية.

لكن بصرف النظر عما سيكتشفونه، ثمة جدل كبير الآن حول حكمة السماح بدخول هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين المجهولين إلى أوروبا عبر حدودها الجنوبية، وأن يُسمح لهم بالتنقل عبر القارة. ثمة دعوات بالفعل لتطوير حماية حدودها البحرية مع تركيا، وأن تسد طريق اللاجئين تماماً.

من المرجح أن تواجه هذه الاستراتيجية فشلاً، فأوروبا ليست معزولة كأستراليا. إن سياسة شبيهة بالسياسة الأسترالية القائمة على إعادة قوارب المهاجرين ستكون مستحيلة التطبيق لأن سواحل أوروبا الشرقية لا تبعد سوى ستة أميال عن مكان انطلاق اللاجئين. ولعل الاستجابة الأكثر منطقية هي خلق نظام لإعادة توطين جماعية للاجئين من الشرق الأوسط.

لن يكون هذا مُرضياً للشعبويين الأوروبيين، فذلك قد ينظم تدفق أكبر موجة للاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولكنه لن يُنهيه. إلا أن نظام التوطين سيمكّن أوروبا من تصوير اللاجئين قبل وصولهم، من معرفة هوياتهم وبلدانهم الأصلية، ثم تقرير أين يذهب كلٌّ منهم ومتى.

إن تمت هذه العملية وطُبقت على أعداد كبيرة من الناس، فستمنع غالبية اللاجئين من التنقل عبر أوروبا بالطريقة الفوضوية الحالية.

كما ستمنح الحكومات الأوروبية فرصةً أكبر لاستئصال الانتحاريين المحتملين، وهي حقيقة اعترف بها بعض اللاجئين السوريين أنفسهم.

يقول مهندس البرمجيات السوري، ماهر داهي، الذي كان ينتظر على الحدود الكرواتية في شهر سبتمبر/أيلول: "لمَ تدفعوننا جميعاً للقيام بهذه الرحلة؟ فقط نظِّموا الأمور، أعطوا الناس الفيزا بحيث يستطيعون السفر بالطائرات. حتى إن لم تفعلوا، سيستمر الناس في المجيء".

تحميل المزيد