من مذكرات “مفتشب”

- يأتيك أحدهم يرغب في التقاط صور شخصية له من أجل معاملة استخراج بطاقة وطنية أو جواز سفر، ويشترط أن تكون ملامحه وسيمة ووجهه خالٍ من الخدوش الناتجة من تقلبات الدهر, ويصر على ذلك وهو يعلم في الواقع أن هذه الصور سوف يتم إلصاقها باستمارة ووثائق المعاملة التي سوف يتم رميها في أدراج مصلحة استخراج الوثائق المدنية

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/12 الساعة 05:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/12 الساعة 05:43 بتوقيت غرينتش

كما هو معروف أن الشعوب العربية مهووسة بعمليات الشد والتجميل والترميم وإعادة الشباب بحسب آخر الاستطلاعات العالمية.. وكذلك الشعب اليمني غير بعيد عنهم فهو وإن كانت إمكانياته محدودة تجده أيضاً مهووساً بعمليات التجميل ولكن من نوع آخر!

إنه برنامج الفوتوشوب الشهير وما أدراك ما برنامج الفوتوشوب الذي من خلاله يمكنك أن تكوّن أو تعيد استخراج الصور كيفما تشاء وبحسب رغبتك.. ولذلك يطلق على من يبدع في استخدام هذا البرنامج بأنه "مفتشب".. وبحسب ممارستي الطويلة في العمل في هذا المجال خصوصاً الصور الشخصية وصور الذكريات وصور البورتريه أرصد هنا بعض الملاحظات تتكرر معي بشكل شبه يومي.

– صديقي عبدالرحمن أخيراً وبعد طول انتظار قرر أن يتزوج وأوكل مهمة اختيار سعيدة الحظ التي سيقترن بها لوالدته, المهمة لم تكن بالأمر السهل فصديقي يعاني من عاهة مستديمة في وجهه، حيث فقد إحدى عينيه في حادث سير مؤسف وهو في سن صغيرة, وكما هو معروف أن المجتمع اليمني لايزال محافظاً على تقاليده وعاداته، حيث يمنع على العروسين أن يريا بعضهما بعضاً إلا في يوم عقد القران أو الخطوبة على الأقل, لذا طلب أهل الفتاة من والدته إحضار صورة لولدها العريس من أجل إقناع العروس بالموافقة، فأتت لهم بصورته وهو في قمة الوسامة وبعينين اثنتين.. طبعاً بعد أن تمت معالجتها بالفوتوشوب..

وبعد مرور أيام قلائل اكتشفت العروس زيف الصورة المقدمة لها فرفضت العريس. وبدأ رحلة البحث مرة أخرى عن عروس جديدة وبنفس الصورة!

وقصة عبدالرحمن هذه تنطبق على كثير من العرسان الذين أقابلهم دوماً، فمنهم من يحرص على تنعيم بشرته في صورته.. ومنهم من يحب أن يكون شعره أسود داكناً، حتى وإن غزاه الشيب وغيرها من الحالات..

– يأتيك أحدهم يرغب في التقاط صور شخصية له من أجل معاملة استخراج بطاقة وطنية أو جواز سفر، ويشترط أن تكون ملامحه وسيمة ووجهه خالٍ من الخدوش الناتجة من تقلبات الدهر, ويصر على ذلك وهو يعلم في الواقع أن هذه الصور سوف يتم إلصاقها باستمارة ووثائق المعاملة التي سوف يتم رميها في أدراج مصلحة استخراج الوثائق المدنية، وسوف يتم إعادة تصويره هناك مرة أخرى، وستكون هذه الصورة الأخيرة كما هي بخدوشها وتجاعيدها وبياض شعرها هي الصورة المثبتة في البطاقة الوطنية أو جواز السفر وستلازمه طوال عشر سنوات حتى يتم تجديدها!

– ما أن يبرز نجم جديد في شاشات الفضائيات إلا ويكون له نصيبه من ألبومات صور الشباب, فمثلاً "مراد علمدار" الممثل التركي الذي شغل عقول اليمنيين سنوات عدة من خلال بطولاته الخارقة في مسلسل "وادي الذئاب"، أصبح في فترة من الفترات مطلب المعجبين به و ربما المعجبات أيضاً.. تتم إضافة صورهم الى صوره بحيث يظهرون وكأنهم يرافقونه في مغامراته التي لا تنتهي.. وكذلك الممثل الهندي "شاروخان"، أو أبطال المسلسل السوري "باب الحارة" وغيرهم من الممثلين, ولا ننسى أيضاً الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كان في فترة من الفترات نجماً دسماً لبرنامج الفوتوشوب، خصوصاً في عام 2011، الذي أطيح به من سدة الحكم, فكم من معجب به تمنى أن يكون له صورة معه وهو يصافحه أو يجالسه.

– ثقافة السلاح هي الثقافة السائدة حالياً في مجتمعنا، وقد زاد تعميقها أكثر خلال الفترة الأخيرة بسبب الأوضاع المؤسفة التي يمر بها اليمن, بعد أن كانت هذه الثقافة في طريقها للزوال, لكن شاءت الأقدار أن تعود إلينا مجدداً.. هي أيضاً ألقت بظلالها على برنامج الفوتوشوب وأصبحت "الموضة" أن تكون لك صورة وأنت تحمل بندقية أو مسدساً أو قنبلة حول خصرك، أو أن تكون صورتك وأنت تقف أمام دبابة أو راجمات صواريخ أو مدفع.. الخ تلك الأسلحة, حتى وصل الأمر إلى أن يطلب مني أحدهم صورة له وهو يقود طائرة حربية في السماء!

لكن ما يجب ذكره هنا أنني كنت ألاحظ أن الأجانب خصوصاً الأوروبيين يفضلون بقاء صورهم كما هي دون أي تحسينات أو ترميمات, فالصورة تستمد جمالها عندما تكون على طبيعتها، على حد تعبيرهم, وهم في اعتقادي صادقون في ذلك, فعندما ترى صورة واقعية في المكان والزمان تستشعر ذكرياتك معها.

لكن الأمر يختلف هنا فمهما كانت الصورة الطبيعية جميلة وفيها منظر جميل كالبحر أو الأشجار أو الشلالات الطبيعية أو المباني السامقة لا يمكن أن يقتنع صاحبها بجمال الصورة إلا إذا تم تحسينها وتغيير المنظر الموجود فيها.

فهل هو الشعور النفسي بالنقص.. أم هو هوس الفوتوشوب؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد