عالمي الصغير ..كم أنا ممتنةٌ لك.. على كل ما منحتني من ثقة، قوة، صفاءٍ وجنون..
على كل تلك السعادة التي تملؤك، والحزن المبطن في ثناياك ..
على كل لحظة سكون صنعت داخلي ثورة ..
كل فكرةٍ مجنونة منحت لحياتي طعماً آخر ..
شكراً لوجودك هناك ..
حين تتزاحم الوجوه في عالمي بلا ملامح، فأعود إليك كطفلٍ صغيرٍ يبحث عن هُويته ..
شكراً لإيمانك بي حين خذلني الجميع..
شكراً..
على فهمك لي من دون حتى أن أبوح ..
تحدث الصوفيون عن العزلة بأنها الخلاص..
وتحدث عنها طب النفس بأنها اضطراب نفسي يلجأ له المريض خوفاً وهرباً.
والحقيقة تقول إن العزلة هي أحد أوجه الحياة التي تبني الإنسان وتساعده على فهم نفسه أكثر وتأمل هذا الكون أكثر فأكثر ..
"فطوبى لمن لا يخشون العزلة"، كما قال باولو كويلو .
فهي مصدر لا متناهٍ من الحكمة يلجأ لها كل من أدرك أهميتها وضرورتها .
كل العلماء والفلاسفة وحتى الأنبياء نادوا بالعزلة والتأمل، وبالنظر للوراء في التاريخ نجد أن معظم الشخصيات التي كان لها بصمة وأثر عميق في التاريخ كانت تميل للانطواء والتأمل في الجبال والغابات بعيداً عن الناس وصخب الحياة..
وقد وصف البعض العزلة بأنها مرحلة ما قبل الانطلاق أو المرحلة الحاضنة للأفكار العظيمة.
وهو ما نراه في حياة سيد البشرية محمد (صلى الله عليه وسلم) من تأمل وتفكر في غار حراء قبل نزول الوحي والرسالة .
وكأن من المقدرات لأي روح كتب عليها التأثير والتغيير أن تبتعد وتنعزل عن صخب الحياة وضجيجها، وبناء قاعدة فكرية وشخصية كاملة نابعة من فهم عميق وتأثير واضح وفطرة سليمة.
يقول حسين البرغوثي: "لا يستيقظ في العزلة إلا ما هو كامن فينا أصلاً.." كيف وإن كان ما نخفيه قادرٌ على إحداث فرق على إلهام بشرية بأكملها ..
مجرد الاقتراب من شخص تعمق في نفسه حتى النخاع يصيبنا بالدهشة ..مجرد جلوسه وصمته كفيل بأن يخيف من حوله، ولأنه بعيد عن هذه الدنيا ستجد جاذبية غريبة من حوله ..
يقال: "كل من توغل داخل نفسه يدرك بمعرفته أن للكون لغة واحدة مشتركة وهي لغة الصمت.. وليس باستطاعة أي فرد فهم هذه اللغة إلا إذا وصل لدرجة عالية من الهدوء والسكينة".
فالصمت! ليس بالامتناع عن الكلام ..
الصمت هو شيء لا يمكن تعريفه أو تحديد صفاته ..لكنه موجود!
عندما يصل الفرد لحالة الصمت التي تختفي فيها حالة الحوار والصخب العقلي الدائم في داخله يحدث ما يسمى بـ"النشوة الروحية".
وحينها تبدأ رحلة جديدة بمعان لا مثيل لها ..
هذه هي العزلة ..صلاح القلب.. نبع المعرفة والحكمة اللامتناهية.
والنعمة التي أنعم الله بها علينا وأضعناها وسط كل ذلك الضجيج ..
والخوف من مواجهة ذواتنا بما نحمله ونخفيه ..
حتى أصبحت أقصى عقوبة تفرض على الإنسان هيه وضعه في الحبس الانفرادي.
فهل حقاً جلوسنا مع ذواتنا حبس وعقوبة يجب الهروب منها ؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.