في 2011 قيل "إن المواطن اليمني أقوى مواطن في العالم"؛ لأنه يعيش أزمات متتالية وجرعاً متعاقبة، الرواتب قليلة والمشاريع ـ حسب قولهم ـ ضئيلة، الكهرباء تنقطع من بعض المناطق لبضع ساعات فزعموا أنها تولد العاهات.
لو قارنا الماضي بالحاضر لوجدنا فيه اختلافاً كبيراً، وما ذاك مما نحن اليوم فيه إلا شيء يسير.
أكثر من 200 يوم على بدء التحالف العربي غاراته الجوية – بطريقة هيستيرية منوعة بين العنقودية والفراغية والنيتروجينية والفسفورية، خلّفت قتلى وجرحى وأحدثت أضراراً جسيمة وأمراضاً خبيثة – على اليمن.
أكثر من ثمانية أشهر واليمن بلا سلطة تحكمه أو تخدمه، استطاعت فيها جماعات طائفية مسلحة احتلال مؤسسات الدولة ـ نتيجة ضعف من أمسكوا بالدولة – فأصابتها بالشلل وأوقفت بعض الموظفين عن العمل، كمّمت الأفواه وكسرت الأقلام وأسكتت شهرزاد عن الكلام.
أكثر من عام واليمنيون بين بعيد يتجهمهم وعدو مُلِّك أمرهم، لا يرون سوى فوهات البنادق موجهة صوبهم من قبل أشخاص لا يرون المواطن إلا من بين ناظور البندقية، ولا يسمعون غير أزيز الطائرات ودوي الصواريخ المفزع، ولا يستنشقون سوى روائح البارود وجثث إخوانهم تفوح من تحت الأنقاض، والقمامة تتكدس أمام المنازل.
انقطاع كلي للكهرباء لأشهر عاشها هذا المواطن في مختلف المناطق بين القر والحر، وانعدام المشتقات النفطية إلا من السوق السوداء، وتوقف شبه كلي لمعظم المستشفيات في عموم المحافظات، وتفاقم أعداد المرضى بأمراض قاتلة أكثرها انتشاراً حمى الضنْك والفشل الكُلوي، وحصار بري وبحري وجوي.
أكثر من أربع سنوات منذ خيم الحزن في أنفس اليمنيين، وانتشر الفقر بشكل غير مسبوق، واستبدل الخوف بالأمن، نتيجة لركوب جماعة طائفية – سخرت الدين لأطماعها السياسية – على مطالب الشباب فحاولوا تسميتها "ثورة"، فأفشلوها كما فشلوا في إدارة الدولة في عهد اللادولة بعد 2011.
أكثر من 50 سنة واليمن بين أيدٍ متطفلة على ثرواته، تنهش كل يوم من أرواح أبنائه، عصابات استباحت المال العام والخاص فكدسته خشية الإفلاس، واليوم باعوا وطنهم وكرامتهم – بحفنة من المال – على الأنجاس.
فترة لا تقل سوء عن سابقاتها في عهود الأئمة والاحتلالات العديدة، حيث الجهل والظلم والفقر والمجاعة عنوان تلك الأزمنة.
ورغم هذا وغيره الكثير لم ييأس اليمنيون من روح المولى القدير، ما كلت عزيمتهم ولا انحنت جباههم ولا شحبت صورهم.
مازالوا واثقين بأن الله لا يجمع بين العسرين، فمهما اشتدت الأزمات واحتدمت الحروب فليس من الحل هروب، وسيصبح عدونا واحداً مضروباً وسنكتب له مكتوباً، مضمونه "إنك أنت العدو اللدود، أثرت بيننا العداوة يا حقود، وجئتنا بمرتزقة سمّيتهم جنوداً، فما وجدت منا غير الثبات والصمود".
أليس كل هذا يجعل اليمني أقوى مخلوق في الوجود؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.