حزب العدالة والتنمية يعود إلى الحكم بقوة ومسؤولية

كان السبب الآخر لخسارة الحزب هو أن الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، يعزفان على وترين مختلفين، وبالتالي لم يكن الحزب قادراً على إيصال رسالة واضحة ومتماسكة للشعب. بدرجة معينة، بدا وكأن قيادتين مزدوجتين تعملان لأجل أهدافٍ متقاطعة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/06 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/06 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش

بخلاف التوقعات، فاز حزب العدالة والتنمية بنتيجة ساحقة في انتخابات الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني. زادت نسبة أصوات الحزب بنسبة 9%، متجاوزاً بذلك النسبة المتوقعة حتى قبل انتخابات السابع من يونيو/ حزيران.

بحديث الأرقام، خسر حزب العدالة والتنمية في انتخابات يونيو/حزيران حوالي 3 مليون صوت، وهو ما اعتُبر بحق تراجعاً كبيراً في أصوات الحزب. ولكن الحزب أضاف في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني ما يقارب 4،6 مليون صوت جديد. أي أن الحزب زاد من عدد ناخبيه بمعدل مليون كل شهر في الفترة الممتدة بين الأول من يونيو/حزيران والسابع من نوفمبر/تشرين الثاني.

إعادة كسب الأصوات

الأهم هو أن هذه الزيادة لم تكن نتيجةً لانضمام جزء معين من المجتمع لصفوف حزب العدالة والتنمية بشكل جماعي، فقد زاد الحزب من عدد ناخبيه في جميع أنحاء تركيا.

استعاد كتلة الناخبين المتدينين الكرد التي كان قد فقدها لصالح حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات الأول من يونيو/حزيران، كما أنه استقطب عدداً كبيراً من ناخبي حزب الحركة القومية وأحزابٍ صغيرة أخرى ذات توجهات إسلامية وقومية.

استفاد من ارتفاع نسبة التصويت وزاد من نسبة ناخبيه من فئة الشباب، ففاز في كل الأقاليم السبع التي تكوِّن تركيا، بما فيها معقل العلمانيين في منطقة بحر إيجة، ومناطق شرق وجنوب شرق الأناضول ذات الغالبية الكردية.

متحرراً من ضغط الانتخابات ومستعيداً ثقته واستقراره، سيقوم الحزب على الأرجح باتخاذ خطوات لتخفيض مستوى القطبية السياسية في البلاد.
حقق حزب العدالة والتنمية انتصاراً باهراً بكل المقاييس، وعاد حقاً بقوة تضاهي ما حققه في الانتخابات العامة لعام 2011، حين حصل على نسبة 49،8% من الأصوات وهو ما اعتُبر حينها قمةَ قوته.

في هذه المرحلة، من المهم أن نسأل الأسئلة التالية: أولاً، ما أسباب هذه الانتصار المذهل لحزب العدالة؟
ثانياً، ماذا يعني هذا الانتصار لتركيا ومشاكلها الأكثر إلحاحاً؟

البحث عن الذات

ثمة عاملان حاسمان في انتصار الحزب: قدرته على التعلم من دروسه ومن فشله، وقبول الناخبين لإعادة النظر في قراراتهم ما إن قام الحزب بالتصحيح الضروري لأخطائه.

باعتباره حزباً شاباً نسبياً، إذ تأسس في عام 2001، فهو منظمةٌ لا زالت تتعلم. بُعيدَ انتخابات السابع من يونيو/حزيران، حين حصل الحزب على حوالي 41% من الأصوات (نسبة أعلى من نسبة حصل عليها أقرب منافسيه وكانت 14%)، كان حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي قام بخطوات حثيثة في البحث عن الذات.

نظَّم العديد من اللقاءات بين مسؤولي الحزب، المفكرين، منظمات المجتمع المدني والناس العاديين لتحديد أسباب خسارته في الانتخابات. كان قادراً على توصيل رسالة إلى الناس مفادها أن رسالتهم وصلت إلى الحزب.

كان السبب المباشر للخسارة هو أنه قبل انتخابات يونيو/حزيران، كان الموضوع الرئيسي المرتبط بالحزب والرئيس رجب طيب أردوغان هو أنه في حال فاز الحزب بالأغلبية الساحقة في الانتخابات، فسيقوم بتغيير النظام السياسي البرلماني التركي إلى نظام الرئيس التنفيذي.

كان السبب الآخر لخسارة الحزب هو أن الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، يعزفان على وترين مختلفين، وبالتالي لم يكن الحزب قادراً على إيصال رسالة واضحة ومتماسكة للشعب. بدرجة معينة، بدا وكأن قيادتين مزدوجتين تعملان لأجل أهدافٍ متقاطعة.
حين تم تحديد أخطاء الحزب، قام سريعاً بتصحيحها بُعيد انتخابات يونيو/حزيران. فمثلاً، حذف الحزب من أجندته الانتخابية نيَّته المتعلقة بنظام الرئيس التنفيذي، إذ أن الشعب بدا غير متقبِّل لهذا الأمر الآن.

عوضاً عن ذلك، ركَّز الحزب على قضايا الاستقرار، الأمن والرخاء الذي بإمكان حكومةٍ مكوّنة من حزب واحد أن توفره لهم (بعكس الحكومات الائتلافية غير المستقرة).

كانت هذه المواضيع تلامس حياة الناس بشكل مباشر، فاستجابوا لها. وجاءت حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي شهدتها الفترة التالية للانتخابات لتؤكد وتعزز نظرية حزب العدالة هذه.

بالإضافة إلى ذلك، عزف إردوغان وداوود أوغلو على نفس الوتر قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.

تلقى الناخبون هذه التصحيحات قبولاً حسناً. في الحقيقة، فإن قيام الناخبين الأتراك بإعادة النظر في رؤيتهم لأداء الأحزاب السياسية هو ما يضمن العملية الديمقراطية التركية. يعاقب الناخبون الحزبَ الذي يرون أنه يبتعد عن مساره، ويكافئونه حين يعود إلى المسار ويقوم بالأشياء الصحيحة.

وجود منظمةٍ قادرة على التعلم وناخبين يركّزون على أداء الأحزاب كانا السببين الرئيسيين لفوز حزب العدالة بانتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.

القضايا الملحة

سيتم تنشيط عملية السلام الكردية، ولكن ليس بنفس الصيغة السابقة، فالتطورات في سوريا، وخاصة في القسم الكردي منها، ونزوع حزب العمال الكردستاني للعودة إلى الصراع قادا الحكومة لإعادة النظر في الشكل السابق لعملية السلام وسبل نجاحها.
من هذه الناحية، من الممكن توقع أن الحزب سيوقف المفاوضات حول عملية السلام في تركيا مع حزب العمال الكردستاني مؤقتاً حتى يتم التوصل إلى تفاهم مشترك بين الجانبين حول الجزء الكردي من سوريا.

خلال هذه الفترة، من المرجح أن يستجيب حزبُ العدالة والتنمية لبعض المطالب الكردية ضمن إطار برنامج ديمقراطي أوسع، وهو ما يعني أنه قد يتوجه إلى المواطنين الأكراد، وليس إلى جماعات سياسية كردية.

لا يرجح أن يقود هذا النهج إلى حل مباشر للمشكلة الكردية في تركيا، لكنه يشكل حلاً مؤقتاً وليس حلاً دائماً بعيد المدى.

إن اللغة التصالحية التي تبناها كل من الرئيس ورئيس الوزراء ومسؤولو الحزب بُعيد إعلان نتائج الانتخابات تبرهن على نوايا الحزب.

ولكن رغم أهمية اللغة، تبقى الأفعال أكثر أهميةً، ولذا يحتاج الحزب إلى يكمّل لغته بمبادراتٍ سياسية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد