مع اقتراب موسم السياحة والذي يتزامن مع أعياد رأس السنة الميلادية، تعمل السلطات الجزائرية جاهدة على تحسين الصورة السياحية التي تلقت ضربات، أدت إلى حالة من الركود في هذا القطاع، منطلقة من امتلاكها العديد من الوجهات التي تشكل عامل جذب للسياح الأجانب، أبرزها السياحة الصحراوية في الجنوب.
وكانت حادثة اختطاف المواطن الفرنسي، ألفرنس غوردال، في سبتمبر/أيلول 2014، على يد جماعة تطلق على نفسها "جند الخلافة في أرض الجزائر"، موالية لتنظيم "داعش"، في محافظة تيزي وزو (شرق)، قبل إعدامه لاحقاً، قد أضافت المزيد من المتاعب لقطاع السياحة المتعثر أصلاً في البلاد.
3 وزارات تشارك في التأمين
مصدر أمني جزائري فضل عدم ذكر اسمه، قال إن 3 وزارات أقرت ما اعتبره المخطط الأمني الأكثر تشدداً، لتأمين السياح الأجانب الذين يقصدون جنوب البلاد خلال الفترة الحالية في إطار سياسة دعم السياحة.
ويتضمن المخطط، بحسب المصدر نفسه، وضع قوات تتكون من 10 آلاف عسكري ورجل أمن، تحت تصرف 5 من مسؤولي المحافظات الجنوبية.
ووفق المصدر ذاته، فالوزارات الثلاث (الدفاع، والسياحة، والداخلية)، تعمل على تنفيذ مخطط أمني مشدد لحماية الأفواج السياحية التي يتوقع أن تزور الجنوب الجزائري في موسم السياحة الذي يبدأ قريباً، ويتزامن مع أعياد رأس السنة الميلادية الجديدة في تلك المناطق.
وأضاف أن المخطط الأمني الذي تقرر تنفيذه "يعد الأكثر تشدداً في تاريخ حماية السياحة في الجزائر".
10 آلاف عسكري يشاركون في التأمين
وبيّن أن وزارة الدفاع خصصت بالتعاون مع قيادة الدرك الوطني، 10 آلاف عسكري ورجل أمن، لتأمين السياح الأجانب في موسم السياحة الصحراوية الذي يبدأ عادة الشهر الجاري.
ووُضعت القوات تحت تصرف محافظي 5 محافظات (ورقلة، وتمنراست، واليزي، وأدرار، وبشار)، في إطار المخطط الأمني الذي صادق عليه رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، وفق المصدر الأمني.
من جهته، قال عنواد محمد الأمين، مدير فرع الجزائر في الوكالة السياحية الدولية (توس ترافل) للأناضول: "أبلغتنا وزارة السياحة أنها تلقت ضمانات أمنية على أعلى مستوى من أجل توفير الحد الأقصى من الحماية للسياح".
وأضاف "لقد قال لنا وزير السياحة، عمر غول، في اجتماع قبل أيام إن السلطات ستوفر الحد الأقصى من الحماية للسياح، حتى لو تطلب الأمر توفير حارس شخصي لكل سائح".
من جانبه، أوضح مسعدي علي، مُسيّر الوكالة السياحية الجزائرية (صحراء بيتش)، في حديثه مع الأناضول، أن السلطات ترغب في إعادة البلاد إلى المنافسة الدولية السياحية، "مع ضمان عدم تعرض السياح لأي تهديد".
وبحسب خطار عبد الباقي، مدير الوكالة السياحية (نجمي تور)، فإن أكثر من 5 آلاف سائح أجنبي قضوا عطلة رأس السنة في يناير/ كانون الثاني الماضي، في مدينة تمنراست الجنوبية.
وقال عبد الباقي للأناضول إن "الوكالات السياحية في الجنوب الجزائري، تخطط لمضاعفة هذا الرقم من أجل الوصول إلى 40 أو 50 ألف سائح في المنتجعات الصحراوية مستقبلاً".
وكانت وزارة السياحة الجزائرية، قالت في كُتيب وزعته على المتعاملين من شركات سياحية وشركات طيران، في مارس/ آذار الماضي، إن " 15 ألف سائح أجنبي زاروا الصحراء الجزائرية في الفترة ما بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 ومارس 2015″، معتبرة أن هذا العدد "غير كافٍ".
وفي آخر تقرير لها، قالت المنظمة العالمية للسياحة، إن الجزائر استقطبت عام 2013 قرابة 2.7 مليون سائح أجنبي، دون تقديم تفاصيل حول نسبة السياح الذين يقصدون البلاد خلال هذه الفترة فقط.
وفي ظل هذا الوضع، يرى خبراء أن قطاع السياحة في الجزائر، يحتاج مخططاً طويل المدى، يتضمن تحسين الخدمات أيضاً.
قطاع السياحة يعاني
وفي هذا السياق، قال منيري بوجمعة، أستاذ الاقتصاد في جامعة "وهران" بالغرب الجزائري، إن "القطاع السياحي في الجزائر يعاني من تبعات التدهور الأمني الذي عانت منه البلاد منذ عام 1992، تاريخ بداية النزاع المسلح بين الإسلاميين والجيش".
وأضاف في حديث إن "السلطات الجزائرية تحتاج إلى مخطط عمل طويل الأمد يتضمن تحسين الخدمات السياحية من جهة، وضمان أمن السياح الأجانب من جهة أخرى".
وكان رئيس الوزراء الجزائري، قال في تصريحات صحفية له أثناء زيارته محافظة ورقلة ( 800 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائرية)، في مايو / أيار الماضي، إن الحكومة مصممة على إعادة الصحراء الجزائرية كواجهة سياحية للبلاد.
وخلال زيارته محافظة غرداية ( 600 كلم جنوب العاصمة)، في سبتمبر/ أيلول الماضي، قال وزير السياحة إن "الحكومة ستعمل على رفع قيمة الاستثمارات العمومية والخاصة في القطاع السياحي، من أجل تحسين الخدمة في الفنادق الموجودة في الصحراء".
وأشار الوزير إلى أن "الدولة قررت توفير أقصى درجات الحماية للسياح الأجانب الراغبين في زيارة الصحراء".
الجنوب أكثر استقطاباً
ويعد الجنوب الجزائري الأكثر استقطاباً للسياح الأجانب والمحليين خلال احتفالات رأس السنة؛ نظراً لطابعه المناخي المناسب، وتوفره على مقومات سياحية هامة مثل الأهقار (سلسلة جبلية)، والتاسيلي (مكان في شكل حظيرة بها آثار قديمة ونقوش صخرية) في أقصى الجنوب الشرقي.
كما تشهد مناطق صحراوية في جنوب الجزائر، خلال هذه الفترة وحتى فصل الربيع، موسم صيد طائر "الحبار" باستخدام الصقور الجارحة والتي تستهوي كبار الشخصيات في الخليج العربي.
وتقوم السلطات الجزائرية في كل سنة بتأمين إقامة هذه الشخصيات الخليجية في تلك المناطق، حتى نهاية فترة الصيد التي تدخل أيضاً في إطار السياحة الصحراوية التي تسعى الحكومة لبعثها.
ويُقبل العديد من هواة الصيد وخصوصاً من دول الخليج، على صيد هذا الطائر، لاعتبارات عدة، أهمها كونه رمزاً من رموز صحارى الجزيرة العربية، وهو الطريدة الأولى والتراثية للصقارين، لأنه يشكل التحدي الكبير لهم ولصقورهم، واصطياده يعطيهم الإحساس بالفخر والنصر.
وتقع محافظات الجنوب الجزائري، على التماس مع دول تشهد تردياً في الوضع الأمني، مثل مالي (جنوباً)، وليبيا (شرقاً).
وباستثناء حادثة الهجوم على قاعدة للغاز بمنطقة عين أمناس، جنوب شرق، مطلع العام 2013، من قبل مجموعة محسوبة على القاعدة، فإن الجنوب الجزائري عرف استقراراً أمنياً خلال السنوات الأخيرة .