بعد أن وثق الصداميون البعثيون تحالفهم مع تنظيم داعش وأصبحوا قادة التنظيم الفاعلين مستحكمين بكل الأدوات، ينتقل التنظيم إلى تحالف جديد من ذات النوع في ليبيا، والسؤال كيف يفكر هذا التنظيم وكيف يتمكن من إيجاد مواطئ قدم له في مناطق الصراع.
عرف عن تنظيم داعش التصاقه بفلول البعثيين العراقيين والصداميين الذين فروا من الجيش العراقي إبان حرب ٢٠٠٣. وقد كان أول من مهد الطريق بين البعثيين والتنظيم هو حجي بكر، وهو ضابط عراقي سابق عقيد ركن شارك في الحرب الإيرانية العراقية ويمتلك معلومات وخرائط عسكرية عديدة حصل عليها إبان سقوط نظام صدام حسين، وقد جر معه حجي بكر العديد من ضباط آخرين أبرزهم مازن نصير.. الذين أصبحوا فيما بعد قادة مجلس شورى التنظيم.
وبعد أن تحالف تنظيم دولة العراق سابقا مع البعثيين الذين بدلوا جلودهم إلى جهاديين فجأة غزت العقلية البعثية تنظيم العراق إلى أن أصبحت قيادات التنظيم بعثية خالصة وتستخدم بعض الأسماء ما تسمى بالجهادية من أجل عملية استقطاب الخلايا الجهادية النائمة والمغرر بهم في كل دول العالم. لم يكمل حجي بكر مشروعه الخطير المتمثل بإعادة دولة البعث من البوابة التكفيرية، فقد قتل في سوريا خلال معارك مع الثوار مطلع العام ٢٠١٤ ومات معه مشروع كارثي رغم كارثية ما يجري الآن في سوريا والعراق. ولكن رغم مقتل حجي بكر إلا أنه ورث مجموعة قيادات عراقية دموية في مجلس قيادة التنظيم. وتقول المعلومات أن ٨٠٪ من مجلس قيادة داعش من ضباط عراقيين سابقين سيطروا على مفاصل التنظيم بعد التظاهر بالجهاد والتوبة وفقا لفلسفة التنظيم. واستحكم البعثيون بغطاء الجهاد على كل حركات التنظيم، ومن يتابع تحولات الصراع في العراق اليوم يلحظ أنه صراع بين العراق القديم والجديد وليس صراع من أجل إقامة الخلافة المزعومة.
ذات السيناريو اليوم يتكرر من ليبيا بين فلول القذافي وبين داعش " ليبيا " مثلما حدث لقاء دولة العراق والبعثيين الصداميين في الفلوجة وبعض مناطق الأنبار. اليوم تلتقي مصالح داعش مع فلول العقيد القذافي في مدينة سرت التي تعرف كونها أكبر معاقل العقيد السابق، ومن هنا يمكن تفسير تنامي نفوذ داعش الدراماتيكي في ليبيا بعد أن أوجدت نفسها في بيئة أمنية هشة ومؤيدة من قبل ضباط ومقاتلين علمانيين كانوا قبل أقل من عامين يقاتلون إلى جانب القذافي.
وهذا مايقودنا إلى طبيعة التحالفات التي تهندسها داعش مع الآخرين على مبدأ التقاء المصالح أولا والتوبة ثانيا.
في 17- 1 من العام الجاري مرت مرور الكرام مقابلة مهمة لأحمد قذائف الدم المنسق السابق للعلاقات المصرية الليبية مع على قناة دريم المصرية؛ قال فيها إن مقاتلي داعش أشخاص أنقياء وأنا مع مشروع دولة العراق والشام الإسلامية لأنهم شباب يبحثون عن مشروع يخرج الأمة مما فيه. وبغض النظر عن التوضيحات والاستدراكات على هذا التعليق فقد بدا واضحا أن أحد أبرز ممثلي النظام القديم الليبي يريد العودة من بوابة "دولة الخرافة" وتخريب مابقي من ليبيا.
وإذا عدنا إلى أدبيات التنظيم في التعذيب نجد ان فلسفة القتل مشابهة تماما للفلسفة البعثية القائمة على التعذيب والمتعة في القتل، ولا يخفى على أحد فنون التعذيب في دولة البعث العراقية وحتى السورية
إن مشاهد مثل الغرق وقطع الرؤوس والحرق وتصويرها ما هو إلا مزيج من البعثية الدموية والتكفيرية المتطرفة تم تعميمها من العراق أولا كونها المرجع ( البعثي والداعشي )، والهدف منها كما كانت تعمد الأنظمة البعثية إلى تعميم ثقافة الخوف بين الناس. وحتى التهمة التي تستخدمها داعش اليوم في القضاء على خصومها تتشابه تماما في مفهومها مع العقلية البعثية، فمنطق "المرتد" و"الصحوة" هو ذاته منطق الخائن والعميل باختلاف اللغة وأصل الكلمة. لذا يمكن الجزم تماما أن المعركة الآن أصبحت معقدة فهي ليست مواجهة مع تيار ديني متطرف، بل مزيج من الخلطة المخادعة القومية البعثية مع الداعشية المتطرفة. حتى أن معظم التيارات الجهادية تستنكر مماسرات التنظيم.
أمر آخر يستحق التوقف عنده، وهو إمكانية التمييز بين داعش سوريا وداعش العراق على أساس الفرضية ( البعث – داعشية )، ذلك أن التأثير البعثي في سوريا أقل منه في العراق، ناهيك عن ظروف الثورة السورية التي ركبت موجتها داعش وأخذتها إلى مسارات أخرى. ونظمت مقاتلين خرجوا في الأصل على البعثية السورية.
إن أبرز نقطتين تعمل داعش على استغلالهما من أجل التوغل الاجتماعي والجغرافي؛ هي وجود شخصيات مهمشة تابعة لنظام سابق تبحث عن دور لاعب، وبيئة أمنية هشة تمكنها من ملئ الفراغ.. وأكبر دليل على هذا المبدأ ما حصل أولا في الفلوجة والأنبار ومن ثم في الرقة ودير الزور، وصولا إلى سرت في ليبيا.
ولعل اجتماع جامعة الدول العربية الأخير في أغسطس الماضي، والذي وضع استراتيجية لمساعدة ليبيا عسكريا في مواجهة تنظيم داعش وتأكيده على أن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا في هذه الظروف العصيبة إلى التعجل في وضع استراتيجية عربية تضمن مساعدة ليبيا عسكريا سيكون الأمل الأخير في إنقاذ ليبيا، ومالم تأخذ الدول العربية تهديد داعش في ليبيا على محمل الجد وتشكيل حلف عربي يفسد محاولات هذا التنظيم للتمدد فإننا أمام مشروع جديد من ليبيا إلى سيناء سينهي العرب تماما. حينها لن يكون هناك أمن عربي فداعش في الشمال (سوريا – العراق) والجنوب ليبيا ومصر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.