#الفشل_علمني | الحاجة أم الاختراع

علمتُ من خلال الأنترنت أن البعوض ينجذب نحو الأجسام الدافئة عبر أجهزة الأشعة تحت الحمراء التي يملكها، ولذلك حاولتُ إقحام علم الميكانيكا الذي أدرسه في حل هذه المسألة المعقدة !

عربي بوست
تم النشر: 2015/10/30 الساعة 07:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/10/30 الساعة 07:36 بتوقيت غرينتش

هل تتصورون حالي عندما أضطر لفتح نافذة غرفتي ليلاً، وكلي أمل أن تمر بعض نسمات البحر المتوسط عليها لأهنأ بنوم مريح وأستيقظ لجامعتي في الصباح الباكر؟!

هذا هو حالي في كل ليلة من ليالي آب وأيلول الحارة الرطبة عندما تقرر الشركة العامة للكهرباء طرح بعض الأحمال عن حيي!

ولكني أفشل في الحصول على قسط من الراحة ليس بسبب الحر، إنما بسبب البعوض أو "الناموس" كما نطلق عليه، ففي هذه الأجواء الرطبة وما نعانيه أحياناً من تكدس للمخلفات، ينتعش جنس البعوض في بيئتنا، وما أدراك ما البعوض؟! تلك الحشرة التي تجعلك مضطراً لفرك جلدك لدقائق بعد كل لسعة.. والجزء الأسوأ في الموضوع، هو أنها تختار بدقة مواضع حساسة في الجسم ككف اليدين أو بين الأصابع لتتغذى من دمها، وأيضاً ذلك الصوت المذبذب التي يحدثه جناحيها وهي تمر على مقربة من أذني لأنتفض من فراشي وكأن طائرات العدو بدأت بالتحليق في أجواء غرفتي!

وجدتُ أن التحريك المتواصل في الفراش يبعدها عني لفترة، ولكن في المقابل لا أنام.
حرصتُ على تغطية كل جسمي بغطاء لكي أمنع أي اتصال فيزيائي بيني وبين هذه المخلوقات، إلا أني سأضطر لاستخدام مصطلح فرن بدل فراش بعد ذلك!

علمتُ من خلال الإنترنت أن البعوض ينجذب نحو الأجسام الدافئة عبر أجهزة الأشعة تحت الحمراء التي يملكها، ولذلك حاولتُ إقحام علم الميكانيكا الذي أدرسه في حل هذه المسألة المعقدة. فقمتُ بتخفيض درجة حرارة جسمي عبر حمام بارد قبل النوم، ولكن معدلات التدفق الحراري المنبعثة من جسمي تبخر كل الماء بعد خمس دقائق من وضع رأسي على الوسادة.

فشلتُ الليلة الأولى والثانية والثالثة.. وأصبحتُ أستيقظ كل يوم من اللانوم، أستيقظ كل يوم مصاباً بالحصبة!
فشلتُ في كل "حل" خرجتُ بفكرته، ولكن سألتُ نفسي: "لقد فشلتُ في كل حل على حدة، فهل بإمكاني دمج حلين في حل واحد؟".

وفعلاً، ابتكرتُ (ودعوني أسميها ابتكاراً لأني أول من أكتشفها بين أسرتي) حلاً يدمج بين الغطاء للحماية وبين الماء للتبريد، حيث قمتُ برش بعض الماء على غطاء نومي على هيئة رذاذ، وقلتُ لنفسي هل ستحظى الآن بالراحة المنتظرة وبالنوم الهنيء يا الطاهر؟

وبالفعل، كان نوماً هنيئاً تلك الليلة… والجميل في الموضوع هو استثماري للعلم الذي درسته في مقرري الديناميكا الحرارية ومبادئ تكييف الهواء في إيجاد حل لنوم مريح ليس أكثر، حيث عمل رذاذ الماء على امتصاص الحرارة المنبعثة من جسمي كحرارة كامنة ومن ثم التبخر، وكما هو معلوم فيزيائياً أن الماء هو أكثر السوائل امتصاصاً للحرارة قبل التبخر.

بعد هذا "الابتكار"، لم تعد مشكلة انقطاع الطاقة الكهربائية ليلاً تؤرق نومي بالرغم من أنها تؤرق مزاجي لاسيما أيام الامتحانات النهائية بالجامعة، ومن باب المزاح فقد أمسيتُ أروّج لها وكلي حرص على أن تُذكر مع اسمي للحفاظ على حقوقي الفكرية!

مشكلتي هذه مشكلة أصفُها بالتافهة، إلا أني حرصتُ على مشاركتها ومشاركة حلها لأبرز أهمية استثمار ما نتعلمه في مدارسنا وجامعاتنا، وما نكتسبه من مهارات أثناء تعاملاتنا اليومية في تقييم المشكلة ومن ثم حلها.

الفشل علمني تعريف المشكلة ودراسة تاريخها وتحليل أبعادها، ففي تجربتي هذه، تعلمتُ عن البعوض وكيف يعيش وكم يدوم عمره، وكم تبيض أنثاه، ولماذا ينجذب لبعض الناس وينفر من الآخر، وكيف أتأقلم مع صعوبات الحياة بحل بسيط في مفهومه، كبير في تأثيره، تعلمتُ كيف أطبق ما درسته نظرياً في فصول الدراسة عملياً في غرفة نومي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد