رجل الشاي

رفع الرجل كوب الشاي إلى فمه ثم أنزله مرة أخرى لأجده قد تحول إلى شخص أخر شخص يكاد أن تقفز به البهجة إلى السماء وكلما تناول رشفة من الكوب أغلق عينيه ثم رفع رأسه إلى السماء كأنه يحصل على كلمة السر فينتابه شيء غامض من رأسه حتى قدميه..

عربي بوست
تم النشر: 2015/10/29 الساعة 05:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/10/29 الساعة 05:39 بتوقيت غرينتش

شعرت بأن أطرافي تتجمد من البرودة فاليوم هو الأصعب على الإطلاق وتمنيت لو يسقط المطر حتى يتحسن الطقس فهكذا تقول والدتي دوما.. لمحت لوحة مضيئة تحمل اسماً أعرفه جيداً.. الاسم المضيء باللون الأصفر هو لكافيه شهير أحبه كثيرا فاتخذت القرار باحتساء فنجان من القهوة والتمتع بدفء المكان في الداخل.. عند الباب استقبلتني عدة فراشات صغيرة تحوم حول الاسم المضيء أتت هي الأخرى لتنال قسطاً من الدفء.. اخترت الطاولة المعزولة التي تعبر عن شخصيتي وبعدها بدقائق كانت القهوة أمامي يتراقص فوقها عمود من الدخان فيتراقص معه جسدي الباحث عن الدفء.

تحولت ببصري نحو النافذة في انتظار أن تهدأ القهوة وتصبح جاهزة للشرب فانتبهت لشعلة من النار على الجهة الأخرى من الطريق يجلس أمامها على ما يبدو حارس للعقار يعد في شغف كوباً من الشاي ولكن ما لفت أنتباهى أكثر تلك الابتسامة التي تعلو وجهه وهو ينظر إلى النار بينما تعد له الشاي.. بعد رشفة من قهوتي الرائعة عدت مرة أخرى بدافع الفضول إلى رجل الشاي فوجدته قد أعد كوب الشاي بالفعل ولكن الغريب في الأمر هو نظرته لكوب الشاي كأنه كان في انتظاره منذ سنوات طويلة.. صرخ عقلي بقوة يتساءل هل هذا الرجل مريض في عقله لكني تخليت عن الفكرة بعدما أحسست بأني قد أسأت الأدب.

رفع الرجل كوب الشاي إلى فمه ثم أنزله مرة أخرى لأجده قد تحول إلى شخص أخر شخص يكاد أن تقفز به البهجة إلى السماء وكلما تناول رشفة من الكوب أغلق عينيه ثم رفع رأسه إلى السماء كأنه يحصل على كلمة السر فينتابه شيء غامض من رأسه حتى قدميه.. ما هذا؟ لم أر مثل هذا من قبل؟ ماذا يشرب هذا الرجل؟ تمنيت لو أشرب ما يشرب! من أين أتى هذا الرجل بكل هذه السعادة ؟ هل السر في كوب الشاي؟ أم أن سعادة الرجل تكمن في الرضا بكوب الشاي؟ يا إلهي إنه مجرد كوب من الشاي!

انتهيت من القهوة ولكني لم أنته من مراقبة رجل الشاي الذي يبدو بأن قصصه لا تنتهي.. واستكمالا للمتعة استقر أمامي فنجان آخر من القهوة في الوقت الذي استقبل رجل الشاي ضيفاً على مائدة الشاي.. فقد وصلت للتو قطة أتت تحتمي من البرد بدفء تلك النيران التي تتراقص أمام رجل الشاي.. اختفى الرجل للحظات ثم عاد يحمل طبقاً صغيراً يحتوي طعاما لا أعلم ماهيته ولكني رأيت القطة منهمكة في تناول الطعام بنهم وسعادة لا تختلف عن سعادة رجل لشاي بكوب الشاي وسعادته أيضاً وهو يشاهد القطة كأنه يشاهد أحد أطفاله يتناول الطعام بعد جوع ..

دفعني ما أشاهده لطلب قطعة من الحلوى أتت سريعا فكنت أتناولها في الوقت الذي تتناول القطة طعامها وينهل رجل الشاي من الشاي مرات ومرات.. انتهت القطة مع انتهائي من قطعة الحلوى ثم استلقت في أمان عند أقدامه فأكرم ضيافتها بمداعبة جميلة دفعها للاسترخاء .. حان وقت رحيلي فدفعت فاتورة حسابي التي كانت تعد بمثابة ثروة بالنسبة لرجل الشاي الذي ودعته بنظرة أخيرة وقلت عجبا لهذا الرجل الذي على ما يبدو يتقن صناعة كل شيء وعجبا لتلك السعادة التي تتسلل من بين أقل الأشياء لترسم فرحة في القلوب وابتسامة على الوجوه.. نعم الرضا مصدر السعادة والسعادة لمن يرغب متاحة …!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد