قالوا: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً.
على الرغم من اتفاقي مع هذا القول إلا أنني أتمنى أن لا نعتمد عليه ونجعله شماعة لتعليق الفشل الذي قد نمر به كسائر البشر بل نسعى لتلافيه .
وإليكم المثال:
منذ سنوات خلت كنت أبحث في ذاتي عن شيء مفقود… محور يربط الفكر بالروح… محور يرد على تساؤلات شتى تتلاطم في رأسي باحثة عن حريتها تنشد الخروج من سجني لكنني دوماً كنت اغتالها وأحياناً تحت التعذيب .
لم أنشأ في بيئة ملائمة صالحة لتفاعل كيمياءاتي الفكرية بل على العكس كانت بيئة غير صالحة أبداً إلا لبدائية ونمطية الفكر وأحياناً انعدامه والمحاربة والاستماتة من أجله في حال وجوده .
وبسبب عدم توفر المرشد أو المثل الذي كنت بحاجة إليه لإشباع شبقي الفكري وتواجده كمحور متين يحرك دوران عقلي حول نفسه نتج لديّ صراع فكري وعقلي كما آخر روحي وجسدي.
وبدأت التساؤلات وحركات التمرد:
من أنا؟ من أكون؟ لماذا وجدت؟ أحس بتخبط في دمي في جيناتي في أفكاري؟ أحس برغبتي في التمرد على كل ما حولي؟ أحس بشيء لا أقوى على تفسيره.. ما الروح؟ لم تؤلمنا؟ لم لا نصرخ لألمها؟ اعتقدت أمي حينها أن هناك سحراً أسود قد تربص بي…
قرأت القرآن حينها كما تقرأه أمي… صليت كما تصلي أمي… صمت كما تصوم أمي لكنني لم أنتشِ…
قرأت في علم الإنسان والبرمجة اللغوية العصبية والعديد من العلوم التي أجلها وأحترمها، لكنني لا أعرف لِمَ كنت أتركها بعد بمعرفتي بها بوقت قصير.
لم أكن أعرف عن ماذا كنت أبحث؟
لكن كان هناك عالم يستهويني لم أتجرأ على دخوله أو الخوض فيه خوفاً من التطرف وتحذير من حولي من خطورة الانسياق فيه والانجراف بعيداً عن العقلانية مما وجدت فيه وجهة نظر، ألا وهو عالم التربية الصوفية والروحانيات.
لم أعتد أن انصاع للقيل والقال، بل اعتدت دائماً أن أبحث بنفسي عما أريد حتى أجده، لم أعِ لما جبنت حينها أن أخوض وأعرف وأحكم بنفسي ربما لوجود العديد من حركات التطرف الصوفية في دمشق، ما كان يعكس صورة غير صحيحة أو منحرفة عن الصوفية وطقوسها على الرغم من وجود علماء أجلاء من معتنقي الفكر الصوفي.
فكانت حلقات الذكر الصوفية والحضرات ومناجاة الأرواح والابتهال إليها تعكس تطرفاً واضحاً كان يخرجني خارج حدود الدائرة او الاقتراب منها.
لكن بالمقابل كان للمديح والقصائد الصوفية والرقص الصوفي انجذاب من روحي إليه، لكنني تعاميت عن ذاك الانجذاب وتابعت في التخبط الروحي والهرب من معرفة أصول ذاك الفكر، إلى أن تعثرت بتلك الرواية بعد انقطاع عن القراءة دام طوال سنوات الحرب السورية الأولى الدائرة ورحلة انتظار المجهول والخوض بمتاعب اللجوء.
الرواية التي صُنّفت بأنها إحدى سبع روايات ستغير حياتك بعد قراءتها. لم تبهرني تلك الدعاية الإعلامية التي اعتدنا عليها لكن الذي شدني لاختيارها من بين الروايات أني لمحت كلمة عشق، فقلت ممازحة نفسي: أتراني أحتاج أو أبحث عن العشق؟ تبسمت في سري وبدأت القراءة.
كانت الرواية تحكي عن قصة جلال الدين الرومي ومعلمه الروحي شمس التبريزي وتلاقي الفكر مع الروح وتولد العشق والشاعرية في حب الذات الإلهية.
لا أعرف كيف جذبتني لأسهر معها ليالي طوالاً. وأبحث عن تاريخ شخصياتها وأدون القواعد الأربعين وأتفكر بعمق ما تنبث به شفاههم.
حلقت معها في سماء الصوفية البحتة، الصوفية النقية المتجلية الخالصة في عشق الخالق وتجلي أرواحنا نحن الصفاء واستمداد طاقتها من روحه جل وعلا.
أحسست أني بعدها بحاجة لمعرفة روحي التي تصارع جسدي، بحاجة لأن أعمق فكري في معرفة الآخر وتلاقي الأرواح بعيداً عن المعتركات الجسدية والفكرية التي أهانت الإنسان بدل أن تقدسه لإنسانيته أولاً، ولكونه العالم الأكبر، على حد قول مولانا جلال الدين الرومي.
بت أتذكر الصوفية المعاصرة وتطرفاتها ودسائسها وانحرافاتها وأضحك على نفسي لأني أهملت جانب البحث عن أصل الصوفية وعدم استفادتي منها لسنوات من الصراع مع ذاتي.
هذا ليس اعترافاً مني بانتهاجي الصوفية كفكر، ولا دعوة لأي كان لاعتناق أو تبني أي فكر أو منهج أو أيديولوجية، بل هي فقط دعوة للبحث عن أصل التيارات الفكرية أو العقائدية، ولقناعاتنا أننا في عصر التطرف والانقسام والتبعيات إذا أردنا أن نقيم منهجية أي فكر في واقعنا الحالي أو ننساق كالعميان بما يتحدث عنه الآخرون مهما كانوا على قدر من المصداقية فسنكون في عداد الخاسرين.
يبقى في الأصل واجبنا في البحث ثم البحث ثم البحث عن الحقيقة أياً كانت…
فأبحث… يا رعاك الله
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.