عنف مبكر .!؟

في الصباح كان الموقف صعباً، وكانت أعصابنا الطرية ترتجف أمام أساتذتنا، ولكن نظرات الفخر بنا من الأستاذ "بريدي" بددت كل الخوف، وقفت وتكلمت عن العنف الذي يحيط بنا في كل مكان وعن اغتيال رئيس وزراء ايطاليا "آلدو مورو" على يد منظمة الألوية الحمراء وتمنيت في النهاية أن يصبح العالم أكثر نقاءً .

عربي بوست
تم النشر: 2015/10/28 الساعة 05:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/10/28 الساعة 05:19 بتوقيت غرينتش

عندما كنا صغاراً في المرحلة الإعدادية تولى تدريسنا مادة اللغة العربية الأستاذ القدير عبدالرزاق بريدي، وكان أستاذاً قديراً متفرداً في كل شيء، لكنه فاجأنا ونحن طلاب في الصف السابع والعام الدراسي يقترب من نهايته بأن أخبرنا بأنه اختار مجموعة قوامها أربعة من الطلاب لتقدم إلقاءً وارتجالاً موضوعاً في الإنشاء لنا حرية اختياره أمام مجموعة كبيرة من مدرسي اللغة العربية في المدينة .

لم أنم تلك الليلة وأنا ملتصق بجهاز الراديو الخشبي العتيق في منزلنا الترابي أتابع ضوءه وأتنقل بإبرته من محطة إذاعية لأخرى، كان الاسم يتكرر في كل الإذاعات "آلدو مورو" لمعت الفكرة في رأسي الصغير، واستسلمت للنوم وأنا أخزّن في ذاكرتي ما قيل عن هذا الاسم الغريب .

في الصباح كان الموقف صعباً، وكانت أعصابنا الطرية ترتجف أمام أساتذتنا، ولكن نظرات الفخر بنا من الأستاذ "بريدي" بددت كل الخوف، وقفت وتكلمت عن العنف الذي يحيط بنا في كل مكان وعن اغتيال رئيس وزراء ايطاليا "آلدو مورو" على يد منظمة الألوية الحمراء وتمنيت في النهاية أن يصبح العالم أكثر نقاءً .
الآن ….
بعد 37 عاماً أجلس أمام شاشة التلفزيون وأضغط بتثاقل على أزرار "الريموت كونترول" فلا أجد سوى العنف والموت والحقد والمقابر الجماعية والأخبار العاجلة التي اختاروا لها اللون الأحمر لأنها لا تحمل سوى مزيد من الدماء المراقة على مذبح البشرية الرعناء .
الآن ….
بات بيتنا الترابي العتيق بعيداً… قصّياً، وباتت أعصابنا مهترئة لا ترتجف لأن قلوبنا تنطفئ رويداً رويداً على وقع حكايات الموت والدمار والغياب والآسرّة القلقة التي تحتضن ما تبقى من إنسانيتنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد