بإجراء انتخابات برلمانية في 18 أكتوبر، أكملت مصر المرحلة الثالثة والأخيرة من خارطة الطريق، التي من المفترض أن تكون خطوة تحولية على طريق الديمقراطية، كما يدّعي النظام المصري المدعوم من الجيش، فالبرلمان الجديد سيرسم الخطوط الفاصلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وسيحدد فيما إذا كانت العلاقة ما بين السلطتين متداخلة ومشوهة أم مفصولة بشكل جيد.
مصر كانت تعيش بدون برلمان منذ يونيو 2012، ما سمح للرئيس المصري الجنرال عبدالفتاح السيسي بأن يمارس مهام تنفيذية وتشريعية واسعة النطاق.
تجري الانتخابات الحالية في جو من القمع الشديد لحريات التعبير الأساسية وخنق للهيئات والصحافة، فالقوانين التي سنها السيسي، كقانون تنظيم التظاهر، وقانون مكافحة الإرهاب، وقوانين المنظمات غير الحكومية، ألقت بالمتنافسين الحقيقيين للمقاعد البرلمانية خارج المنافسة.
المنافس الأكثر أهمية، جماعة الإخوان المسلمين، تعرضت لحملة تنكيل قاسية من النظام المصري، وتم حظر الحزب السياسي التابع لها، وإعلانها منظمة إرهابية، أما الأحزاب الليبرالية فهي ضعيفة ومنقسمة، إما نتيجة للقيود القانونية، أو للاقتتال الداخلي، أو للنقص في التنسيق.
الكثير من الشباب يقاطعون الانتخابات البرلمانية الحالية، لأنهم يعتقدون بأن البرلمان الجديد سيكون مشابهاً للبرلمان الذي تمخضت عنه الانتخابات البرلمانية لعام 2010، التي شهدت تزويراً واسع النطاق، وانتهت بفوز الحزب الوطني الديمقراطي بحصوله على 91% من الأصوات.
تحت العيون الساهرة
على غرار أيام استبداد مبارك، تجري الانتخابات الحالية تحت أعين الدولة، وسلطات المخابرات تدير وتنسق الانتخابات بشكل كامل، فوفقاً للتقارير، قام حزب النور السلفي بتخفيض قوائمه من أربعة إلى اثنين، رضوخاً لـ"نصيحة" الأجهزة الأمنية، كما تم فحص العديد من المرشحين من قِبل الأجهزة الأمنية للتأكد من أن البرلمان الجديد لن يتضمن أصواتاً معارضة قوية.
النظام المصري لا يخاطر بأي فرص لفشله، ويقضي على القوائم الانتخابية المنافسة بناءً على أسباب فنية هشة.
من المتوقع أن تحصد قائمة النظام المصري "في حب مصر" أغلبية مريحة، وهذه القائمة، التي يرأسها رئيس المخابرات السابق المقرب من السيسي، تضم 10 أحزاب سياسية، بما في ذلك حزب المصريين الأحرار الذي أسسه الملياردير القبطي نجيب ساويرس.
سيعمد النظام المصري على الأرجح للإعلان عن نسبة مشاركة عالية في الانتخابات لإكساء الشرعية على العملية الانتخابية، وبغية التماس الموافقة المعتادة من مؤيديه الدوليين.
بشكل عام، تجنب السيسي بناء آليات سياسية ليفصل نفسه عن تجربة الحزب الوطني الديمقراطي وليؤسس لنفسه أسلوب حكم خاص به، ما يحرمه من الآلية اللازمة والقادرة على تنظيم وبناء الأصوات وسن القوانين بطريقة تسمح له بالظهور بمظهر الشرعية.
البرلمان الجديد سيُنتج جبهتين صوتيتين رئيسيتين: جبهة "نعم" وجبهة "نعم سيدي"، ومن المتوقع أن تتنافس كلا الجبهتين في إظهار ولائهما للمستبد المصري الجديد، وإلا سيصبح البرلمان بأكمله مهدداً بخطر الحل نتيجة للقوانين المعيبة التي تنظم عملية الانتخابات.
بشكل أكثر تحديداً، سيتم تشكيل البرلمان الجديد إلى حد كبير من رجال الأعمال، ضباط الأمن السابقين، رجال مبارك، والأحزاب التي شُكّلت مؤخراً أو القوائم التي يدعمها رجال أعمال.
يُخصص التوزيع الجديد 120 مقعداً من أصل 568 للأحزاب والقوائم المستقلة، و448 مقعداً للمستقلين، ويعطي الرئيس سلطة تعيين 28 عضواً.
الطريقة التي تم بها تقسيم الأحياء انتخابياً تعطي الأفضلية بوضوح للمستقلين والمرشحين الذين يحوزون المال والاتصالات، وهي ذات الطريقة التي كانت تُدار بها الانتخابات في عصر مبارك، ولكن هذه المرة دون تزوير منهجي أو تعيين مسبق للمرشحين من قِبل أجهزة الحزب الوطني الديمقراطي.
واجبات البرلمان الجديد
أهم البنود المدرجة على جدول أعمال البرلمان الجديد تتمثل بتعديل الدستور لإعطاء السيسي صلاحيات تنفيذية أكبر، بالإضافة إلى تصديق حوالي 300 قانون قام السيسي بإصدارها خلال فترة حل البرلمان.
من الناحية النظرية، ووفقاً للدستور، يمتلك البرلمان صلاحيات واسعة للغاية، فهو قادر على الحد من سلطة رئيس الجمهورية لتعيين رئيس الوزراء، وسحب الثقة، وحتى عزل الرئيس، كما يستطيع البرلمان الحد من سلطات السلطة التنفيذية لجهة إبرام عقود القروض أو الحصول على الأموال، وهذه هي الأسباب التي دفعت السيسي للتلميح مؤخراً إلى ضرورة تعديل الدستور لتأسيس نظام رئاسي يمتلك سلطات واسعة، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يقره البرلمان الجديد.
بالإضافة إلى تعديل الدستور، من المتوقع أن يكون البرلمان بمثابة ختم مطاطي في يد السيسي، فبموجب القانون، يجب على البرلمان أن يُقرّ جميع القوانين التي صدرت منذ الانقلاب خلال فترة أسبوعين من أول جلسة يعقدها.
سامح سيف اليزل، رئيس الائتلاف المؤيد للسيسي، "في حب مصر"، أكد أن البرلمان "يجب أن يوافق على هذه القوانين ومن ثم يعمد إلى مناقشتها في وقت لاحق".
ولكن بغض النظر عن دعم البرلمان المتوقع للسيسي، فقد يشهد البرلمان الجديد أيضاً بعض المناقشة والضغوط، كون المخيم الموالي للسيسي ليس متجانساً بشكل تام، ويستبطن صراعات عميقة بين مكوناته الرئيسية، وبالتحديد بين الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال والشخصيات الإعلامية، على السلطة والنفوذ والامتيازات الاقتصادية.
هذا الصراع سينعكس في نهاية المطاف ضمن البرلمان على السياسات والمخصصات والأداء الحكومي، أو ببساطة قد يكون مدفوعاً بالخصومات الشخصية.
يواجه البرلمان الجديد تحدياً خطيراً لكسب ثقة المصريين، وهو بذلك يشابه برلمان مبارك ويناقض البرلمان الذي سيطر عليه الإخوان المسلمون في عام 2012، حيث سيُنظر إلى البرلمان الجديد على أنه فاقد للشرعية على نطاق واسع.
في الوقت الذي سيعكس فيه البرلمان صراعات خطيرة بين الجماعات ذات المصالح المختلفة داخل تحالف السيسي، فإنه سيُجبر العديد منهم لممارسة السياسة خارج القنوات الرسمية، وهذه الخطوة النهائية في خارطة الطريق نحو الديمقراطية قد لا تكون ترياق الاستقرار الذي يحتاجه نظام السيسي بشكل ملح.
هذا المقال مترجم عن نسخة الجزيرة الإنجليزية
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.