هو ذلك اليوم الذي ملؤوا فيه رأسي بالممنوع قبل المتاح, وأنا منذ نعومة أظافر تلك الأصابع التي تكتب هذه الكلمات أصدق بل وأطبق حرفيا ما يقال. يوما بعد يوم, عاما بعد عام حتى بدأت أسرتي تمنعني من ارتداء "النص كم", الجري في الباحات, الضحك بصوت طفولي. ظللت لفترة أتوهم السبب هو أن تلك الأمور أصبحت للجميع عيب و"مايصحش", إلى أن اكتشفت أنني نضجت وأن هناك غشاء من حولي يدعى المجتمع, غشاء لا ينضج بل بالعكس "يكبر" و يشيب حتى أصبح سمكه غير قابل للاختراق. وفي نفس الوقت الذي ألقى فيه الممنوع قبل المتاح, أصبح نداء : اعمل حاجة للبلد, يزداد علوا يوما بعد يوم بل وبصيغة الأمر ومؤخرا بصيغة التأنيب. ومن ناحية دينية أخرى يترجم هذا الأمر في الحصص المدرسية إلى: عمارة الأرض! حتى اتضح سبب وجودي "كبشر" و هو ما ارتكزت عليه ابتداء من ذلك اليوم حتى وقتنا هذا. أصبحت أحيا للتطوع , المزيد من المعرفة الأكاديمية, و في نفس الوقت كانت عيني تلمح بنوع غير مفهوم من الانتباه الداخلي الزملاء من البشر وكيف يتعاملون مع أسباب وجودهم.
بحثت في هذا الأمر تحت عنوان: من نحن, ما مشاكلنا, وما الذي نريده؟
وفي طي هذا البحث تقدم بي الرقم الهلامي ذو اللامعنى وهو العمر, فوجدت نفسي في العشرينيات, منهكة بين محاضرات أساتذة اكتفوا بتوقف "وجودهم البشري" وأقضي بل أضيع وقتي أسمع إنجازاتهم في إنهاء الكتب الأكاديمية ذات الألف صفحة في أقل من شهر, قد يكون بالنسبة لهم إنجازاً ولكن مجرد الحديث عن هذا الإنجاز لا يعطيني فرصة لطرق باب المحاضرة من الداخل, والخروج للعالم الخارجي للبحث عن فرصتي الشخصية في الإنجاز سعيا وراء سبب " وجودي البشري!"
و لكن رأفة بي منحني الله الفرصة لطرق هذا الباب والخروج للعالم الخارجي, وفي جولتي اكتشفت أنه يوجد عالم خارج منزلنا, توجد جمهورية مصر العربية, توجد مصر الجديدة, مدينة نصر مرورا بالدقي و وسط البلد…. لحظة مع وسط البلد فهي نقطة اتصال ما بين الهاي كلاس و الشعبيين! ترى في شارع محمد محمود على سبيل المثال حوائط الجرافيتي, أسال عمن ابتكروها الجواب هو: محمد, مينا, نيرفانا, و إسلام شبرا !
من تلك الأسماء, وأنا من موقعي في وسط البلد, اكتشفت أن الإبداع الفني لا يعني بالضرورة عادل إمام.
سر قليلا نحو جامعة القاهرة, ادخلها: مكتب العميد ورئيس الجامعة, عشرات الطلاب تاركون ل"تلك المحاضرات الخاصة بإنجازات الأساتذة" منتظرين تصريح أصحاب القرار لعقد نشاط طلابي يحاكي الأوضاع العربية بل ويعمل على حلها
اتجه نحو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية: ستجد حملة أطفال الشوارع, لا تعمل على استعطافك بل تمنح هؤلاء الأطفال فرصة للحصول يوما ما على مقعد في تلك الجامعة.
من هنا وعلى مقربة من كلية الإعلام: حملة ضد التحرش, الغريب أن أغلبية أعضائها من الشباب "الرجال" وليسوا البنات! ليسوا هنا من أجل "تظبيط" بنات ولكن لكي يذكرونا بهذا الغشاء المجتمعي العجوز الذي نبهني أنا شخصيا بغفلتي وانحباسي في "العيب" الذي لم أرتكبه, ومن هنا تذكرت الموانع التي نشأت ولم أخلق عليها! عندما اختزلوني في العورة, تلك الصفة التي لم أصنعها بنفسي ولم أخلق بها وحدي فجميعنا خلقنا بها رجالاً و"استغفر الله العظيم" نساء!
هذا لا يعني أنني كرهت الاحتشام وارتداء الملابس ذات الأكمام الطويلة والواسعة, بل بالعكس هذا يجعلني أكثر راحة وعن اقتناع, ما جعلني أستفز من شيء بل عادة تدعى التحرش, ليس أن الضحية هي الملامة وليس أن المجرم معصوم من الخطأ فهو بلا جواز, بل هو كونها موجهة لفئة بشرية واحدة فقط وهي كل شيء يحمل تاء مربوطة!
ورجوعا إلى البحث عن سبب وجودي البشري وفي العمل من أجل مهمة هذا الوجود وجدت نفسي شخصيا مربوطة ليست التاء فقط
رجوعي بعد الساعة الثامنة مساء شبهة! وغير مسموح بوجود مبرر أنني أتلقى دروسا ودورات في مجال القانون والفن , وإن أماكن انعقاد تلك الدورات بعيدة عن منزلنا
عدم خجلي من مدح البعض لمظهري, مش هأبص في الأرض بص إنت لحالك!
وخلال تلك الرحلة في البحث عن الوجود البشري قابلت الكثيرين الذين اخترقوا الغشاء المجتمعي, فوجدت:
ذات الشعر الكيرلي الهايج علمت الكثير من الأميين في مصر
ذو التاتو الياباني على رقبته ساعد الشباب في تطوير مواهبهم الفنية
ذات الإكسينت الإنجليزية المايعة محترفة دولية في القانون
ذو الملابس المودرن الشبابية علم الغرب روح الإسلام
ذات وذو الصليب المدقوق على اليد طيب المعاملة حسن ونقي النية
هم واجهوا الغشاء بالاختراق بل وبالتفجير والتفكير, وجدوا فيه قيودا تدمر مقدرتهم في الرد على الخالق يوم الحساب في ماذا صنعوا, فرفضوا أن يقولوا لا شيء تحت مبرر المجتمع, الذي اتضح أنه "كلام ناس" فشلوا في معرفة سبب وجودهم البشري, والبعض الآخر منهم لخصه في الزواج و مزيد من الإنجاب والعزوة!
بالنسبة لي سبب وجودي كان مثلهم, خارج حدود هذا الغشاء, فقررت الخروج عنه لم "أفرتكه" بل تآمرت عليه بقدراتي الأنثوية المتواضعة و تخطيته بإصراري على سبب الوجود البشري الذي سخرته في خدمة الغير في الوصول لحلمه, غاية وجوده من شعلة شغفه وموهبته, إصراري على تخطي حاجز منعي من المضي قدما حاجز صفاتي الأنثوية, كسرتي, خيبة أملي, حاجز كسرة جناحي.
تخطيت الغشاء برفضي لأي نوع من اختزالي في مسابقة ملكة جمال, في فستان لهيفا, أو في حركة جديدة لصافيناز!
تخطيت الغشاء بـــرجولتـــــي!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.