"لا تقبروناش" (لا تدفنوني).. صرخة أطلقها الطفل اليمني فريد شوقي الذماري، وهو يئن من شظايا قذيفة أصابته قرب منزله بمدينة تعز (وسط اليمن)، قبل أن تفارق روحه جسده، ولسان حاله كان يقول "مازلت طفلاً، لا تبعدوني عن حضن وخبز أمي، لا أستطيع الموت وحدي، ولا أطيق النوم تحت التراب".
الطفل فريد (7 أعوام)، الذي ظهر على قنوات فضائية، وهو مستلقٍ على أحد الأَسّرة في مستشفى بمدينة تعز، ينشد الحياة، لم تفلح صرخته في وجه الفريق الطبي، بإنقاذه من الموت، ففارق الحياة، وبقيت كلماته كالنار في الهشيم، بمواقع التواصل الاجتماعي، والشارع اليمني.
إصابة الطفل فريد
يقول المحامي والناشط الحقوقي غازي السامعي إن الطفل فريد أصيب بشظايا قذيفة هاون، أطلقها المسلحون "الحوثيون" على شارع يعرف بشارع "الخياطين" بتعز، الثلاثاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وأضاف السامعي، الذي يتابع ملف الطفل أن "فريد كان ضمن 5 أطفال أصيبوا في ذلك الحي، وتم إسعافهم بمستشفى الثورة الحكومي، حيث فارق الحياة بعدها بـ5 أيام متأثراً بجراحه".
لازالت جثته بالثلاجة
أفراد أسرة الطفل لا زالوا يرابطون إلى جانب جثة طفلهم المتواجدة في ثلاجة المستشفى حتى هذه اللحظة، بعد صرخته تلك في وجوههم ووجوه الأطباء بعدم دفنه.
فريد كان قد شاهد قبل وفاته طفلة من جيرانه قُتلت بقذيفة هاون، في نفس الحي، وتم دفنها، ومنذ ذلك المشهد وهو يخاف ذلك، بينما اعتبرت عائلته صرخته وصية.
الصحفي غمدان اليوسفي وصف هاشتاغ "لا تقبروناش" على موقع "تويتر" الذي تم إطلاقه اقتباساً من صرخة فريد، بأنه أكبر رسالة بإمكانها أن تختزل ما يحدث في مدينة تعز.
اليوسفي الذي تفاعل مع الهاشتاغ قال: "فريد كان يعرف أن كل مصاب بتعز يتم دفنه، فصرخ صرخته المدوية، لأنه يدرك أن أية إصابة في المدينة معناها الموت، لانعدام سبل العلاج، وامتلاء المستشفيات بالجرحى".
وأضاف "هذا الطفل أرسل رسالة للجميع مفادها: يكفي دمًا، وحصارًا، وقصفًا"، مشيرًا إلى أن صرخته يجب أنت تكون "أيقونة للجميع".
ورأى اليوسفي أن الطفل فريد استطاع من خلال مقطع فيديو غير احترافي مدته 30 ثانية، تم بثه على القنوات المختلفة أن يوصل رسالته المؤثرة التي فشلت في إيصالها أكثر من 207 أيام من الحرب، التي بدأت في 26 مارس/آذار الماضي.
صرخة اختصرت دمار تعز
خلافاً لكل الأحداث الأليمة التي مازالت تشهدها مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين، منذ أغسطس/آب الماضي، استطاعت صرخة طفلها أن تلم آهات اليمنيين تحت تنهيدة واحدة: "لا تقبروناش".
في تغريدة له على "تويتر" كتب الصحفي والناشط الحقوقي حافظ البكاري: "من سيجرؤ على دفن فريد بعد صرخته المتشبثة بحقه في الحياة". فيما كتبت الناشطة غادة المقطري في تغريدة لها: "فريد خلاصة أوجاعنا ومصير أحلامنا".
وفي رسالة وجهها إلى روح فريد، قال الكاتب الصحفي عزوز السامعي في تغريدة أخرى: "سوف نقبرك، ومن المحتمل أن ننساك، ذلك أننا أمام حفلة مجازر، وهناك مئات الأجساد بحاجة لأن نهيل عليها التراب".
813 طفلاً قتلوا وجرحوا في تعز
لم يكن الطفل فريد أول الأطفال الذين يسقطون بفعل المعارك الدائرة في مدينة تعز، فوفقاً لتقرير أعده تحالف منظمات المجتمع المدني في المدينة، وتم إطلاقه أواخر الأسبوع الماضي في مؤتمر صحفي، فإن 813 طفلاً قتلوا وأصيبوا في تعز، منذ ما قبل حرب مارس/آذار بـ10 أيام وحتى اليوم.
الانتهاكات لم تقتصر بحق الطفولة في تعز بسقوطهم قتلى وجرحى لا يجدون العناية الطبية، فهناك نحو 10 آلاف طفل فقدوا أحد والديهم، وباتوا أيتامًا جراء الحرب المتصاعدة، بحسب التقرير السابق.
وضع صحي بائس
يشهد الوضع الصحي في تعز تدهورًا غير مسبوق، حيث أجبرت المعارك، وانعدام المشتقات النفطية، وانقطاع التيار الكهربائي، 16 مشفى حكومياً وخاصاً، من أصل 20، على إغلاق أبوابها، بحسب مسؤولين حكوميين.
وقبل أسابيع نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطفل مصاب، وهو يجلس على رصيف الشارع بجوار مستشفى خاص في تعز، وإلى جانبه شقيقه الأصغر يحمل له كيسًا من محلول الجلوكوز تم حقنه بوريده، بعد أن فشل في إيجاد سرير له في أحد المستشفيات.
اتهامات للحوثي وصالح بحصار المدينة
حقوقيون ومنظمات محلية ودولية يتهمون مسلحي الحوثي، وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بفرض حصار خانق على السكان في تعز، ومنع دخول الأدوية، والأغذية، ومياه الشرب.
في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، قالت سيسيل بويلي، المتحدثة باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، إن تمركز قوات اللجان الشعبية التابعة للحوثيين في مكان قريب من المستشفيات الحكومية في مدينة تعز جعل الجميع يخشى الاقتراب منها، وأدى إلى توقفها عن العمل.
وفي إيجاز صحفي للإعلاميين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في جنيف، أعربت بويلي حينها عن "القلق البالغ إزاء الأوضاع الأمنية المتدهورة في تعز، وانسداد طرق الإمدادات من قبل لجان الحوثيين".
ومنذ 26 مارس/آذار الماضي، يواصل التحالف الذي تقوده السعودية، قصف مواقع تابعة لجماعة الحوثي، وقوات موالية لصالح المتحالف مع الجماعة، ضمن عملية سمّاها "عاصفة الحزم" استجابة لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بالتدخل عسكريًا لـ"حماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية"، قبل أن يعقبها في 21 أبريل/نيسان بعملية أخرى أطلق عليها اسم "إعادة الأمل"، قال إن من أهدافها شقًا سياسيًا يتعلق باستئناف العملية السياسية في اليمن، بجانب التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين، وعدم تمكينهم من استخدام الأسلحة من خلال غارات جوية.