من الخطأ أن نعتبر المشهد الذي نراه اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة امتدادا للربيع العربي، وسبب ذلك أن الثورة الفلسطينية بدأت منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وما زالت مستمرة.
إنها ثورة راسخة كأشجار الزيتون في الأرض التي بارك الله حولها، تسير بسند متصل لا انقطاع فيه، لا مكان فيه لمجروح، ولا موضع فيه لكاذب.
ولكننا لا نستطيع أن نغفل حقيقة أن ما يحدث في دول الربيع العربي كان محفزا هاما لكل ما يحدث في فلسطين اليوم.
بدأ الربيع العربي في تونس الخضراء، تونس الغالية العزيزة، ثم حدث الانفجار حين ثارت مصر.
حينها… وحينها فقط تحركت ليبيا، وسوريا، واليمن… والقائمة تطول!
وبعد أن بدا لبعض قصار النظر أن الثورة المصرية قد أجهضت بانقلاب الثالث من يوليو 2013 رأينا فكرة الثورة قد انتشرت في دول أخرى، فرأينا العراق قد ثار بأساليب الاحتجاج السلمي في دول الربيع نفسها، ورأينا شباب لبنان يتمرد بالأساليب نفسها، وها نحن نرى فلسطين الغالية تقول "لا" ببلاغتها الفريدة وأسلوبها الخاص، وبما يتناسب مع طبيعة معركتها التي تخوضها ضد محتل أجنبي عنصري يتسلح بكل أسلحة الدمار الشامل فكريا وعسكريا.
نحن أمام جيل فلسطيني جديد، ولد وعاش وتربى في ظل اتفاقية أوسلو المشينة، ولكنه يثور عليها بلا تردد، يسحقها بلا رحمة، تماما كما نرى جيلا عراقيا يثور على المنظومة التي أحضرها المحتل الأمريكي معه حين دخل العراق، ونرى جيلا لبنانيا يتعالى على الطائفية السياسية اللبنانية الراسخة، ويرفع مطالب اجتماعية عادلة، ويقاتل دونها دون تفرقة بين انتماء وانتماء.
الربيع العربي يبث من روحه في شباب فلسطين، فتثبت الأيام جدارة جيل جديد بحمل الراية من جيل سبقه، جيل ضحى كثيرا، في المنافي، وفي الكفاح المسلح، وفي الكفاح السياسي.
لقد حاول صهاينة إسرائيل وصهاينة العرب أن يحولوا الضفة الغربية إلى بؤرة منعزلة عن الواقع الفلسطيني، وشغلوا الجيل الجديد بكل سفاسف الأمور، وبكل الرياضات والبرامج التافهة، ولا شك أنهم ظنوا أنهم قد نجحوا في إفساد جيل الشباب، ولكن ما حدث في مصر… يتكرر في الضفة الغربية!
في مصر ظن حكام البلد أن شبابها لا يهتم إلا بالتوافه، ولا يتذكرون معنى الوطن إلا مع منتخب الكرة، وأن المخدرات واللهو وجمع المال قد فعلت فعلها في جيل الشباب، وفجأة جاء الطوفان، وسحق رأس النظام، ولولا خسة ونذالة النظام (حيث تمسكن كي يتمكن) لسحق النظام كله.
في الضفة الغربية شباب كانوا عند حسن ظن أمتهم، وآبائهم، وأجدادهم!
لقد فاجأونا كمعجزة ربانية في لحظة شك معتم!
شابات وشبان في عمر الزهور يقاومون المحتل بكل ما تيسر من الطرق الرمزية، بسكين المطبخ، ولو حرموا منها لقاوموه بالأظافر والأسنان.
من أي حقل أينعت تلك الأزهار؟
من حقل فلسطين… وها هي تنشر روائحها في موسم الربيع… الربيع العربي الفلسطيني المقدسي!
يقف اليوم العدو الإسرائيلي مسلحا بتأييد عملائه العرب، وعلى رأسهم نظام الانقلاب العسكري العنصري في القاهرة!
يقف الإسرائيلي ملوحا لنا بمكافحة الإرهاب، متباهيا بتجنيده لرؤساء عدة دول عربية، محاولا تلقيننا دروس العقل والحكمة.
ولكن شباب القدس أخرسوا لسان كل عميل قبل أن يخرسوا لسان المحتل، وبعد أن حاصر عملاء الكيان الصهيوني غزة بماء البحر، رأينا سيل الشباب يغرق الكيان الصهيوني بالحجارة والمقالع والسكاكين والسواطير.
هي هَبَّةٌ … لها ما بعدها، وأهم ما فيها أنها تظهر المعدن الحقيقي لهذا الجيل، وتظهر أن المعركة مستمرة، وأن ترويض الأسود مستحيل، وأن عدو الزيتون ليس أكثر من طريدة ستلتهمها أسود الأرض المحتلة، وما ذلك على الله بعزيز.
تعليق حول مسرحية انتخابات البرلمان المصري:
مر أكثر من عامين على نظام عبدالفتاح "سيسي" وانقلابه العسكري، وها هو أخيرا يتكرم ويتجرأ ويجري انتخابات برلمانية، بعد أن أجلها عدة مرات، وفي كل مرة يقوم بمزيد من الإجراءات التي تضمن أن يصفق النواب في أولى الجلسات لقائد الانقلاب، وأن يؤيدوا سائر قوانين العار التي أصدرها منذ اغتصب السلطة، وأن يقوموا بإجراء التعديلات الدستورية التي تحوله من رئيس إلى إله.
لا يمكن أن يترشح في هذه الانتخابات رجل شبه محترم!
الغريب أنني أرى بعض المرشحين من الشباب الذين يصفون أنفسهم بأنهم من شباب الثورة … وهم أنفسهم كانوا يلومون الآخرين لترشحهم في انتخابات البرلمان عام 2012، وكان ذلك بحجة وجود عدة أشخاص معتقلين، وعدة أشخاص قد قتلوا واحتسبناهم شهداء، ومجموع كل هؤلاء المعتقلين والشهداء كان أقل من عشرة أشخاص، وكانوا يقولون حينذاك "إن هذا النظام قد فقد شرعيته بعد أول نقطة دم لمصري واحد"!!!
كانوا في ذلك الوقت يرون أنه لا ضمانات لنزاهة تلك الانتخابات بسبب وجود عدة أشخاص في السجن لأسباب ما!!!
اليوم يترشح هؤلاء بكل صفاقة في ظل نظام قتل الآلاف، وسجن عشرات الآلاف، ولم يسلم منه حتى زملاؤهم وأحبابهم ممن ينتمون للفصيل نفسه… وهم يتنكرون لكل هؤلاء ويشاركون في المسرحية الساقطة بلا أدنى خجل، ولا يتحدث أحدهم عن الضمانات، أو عن شرعية النظام، أو عن الدماء التي سالت!
الحمد لله الذي أرانا الحق حقا ورزقنا أتباعه، ونسأل الله الهداية لكل من ضل سبيل الثورة والحق، واتبع هواه السياسي.
هذا البرلمان سيكون أقذر مؤسسة سياسية في تاريخ مصر، وستكون المشاركة في تلك الانتخابات عارا على الجميع، حتى على هؤلاء الذين شاركوا ولم يدخلوا البرلمان، وهي مسرحية لا يلقي لها غالبية المصريين بالا، فهم يتابعون الأحداث في انتظار لحظة الانقضاض على الفسدة لكي يحرروا مصر بأقل الخسائر.
في النهاية… التغيير قادم… والحاضنة الشعبية للتغيير تمتد من بغداد إلى تونس، ومن عدن إلى طرطوس!
إنه جيل عربي عظيم… تعلم درس العزة والكرامة، ولن يقبل إلا بالتحرر الوطني الكامل من كل أشكال الاستبداد والاستعمار.