توقع خبراء اقتصاديون مصريون أن تعمّق أزمة نقص الدولار في مصر واستمرار تهاوي قيمة الجنيه منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، معاناة شرائح واسعة من المصريين في كافة مناحي الحياة.
وقام البنك المركزي، الأحد 18 أكتوبر/تشرين الأول 2015، بخفض قيمة الجنيه المصري 10 قروش للمرة الثانية على التوالي ليرتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكل مباشر من 830 قرشاً إلى 840 قرشاً.
وتقوم مصر باستيراد المواد الخام التي تدخل في جميع الصناعات سواء في مجال البناء، أو الدواء، أو الغذاء، أو التصنيع، أو حتى التجميع، ما يجعل السوق المصري معتمد بشكل رئيسي على الدولار الأميركي.
وتنامت المخاوف من تأثير تداعيات ندرة الدولار، ليس على احتياجات المصريين من السلع الاستهلاكية والغذائية فحسب، بل امتدت لتشمل صحتهم، وحياتهم التي باتت معرضة لخطر نقص الأدوية التي لا يوجد لها بديل محلي بسبب توقف الشركات عن الاستيراد.
وهبط الجنيه من 550 قرشاً مقابل الدولار قبل نحو 4 سنوات إلى 830 قرشاً، وسط توقعات بتجاوز هذا الرقم في الأيام والشهور المقبلة، في محاولة لسد الفجوة بين السعر الرسمي، وسعر السوق السوداء الذي يقفز باستمرار أمام كل هبوط جديد في العملة المصرية.
مصانع الأدوية تتوقف ومافيا البدائل تشتغل
وأرجع رئيس المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، سبب نقص الأدوية في السوق إلى توقف بعض المصانع عن إنتاجها، بعد ارتفاع سعر المواد الخام، وقال فؤاد لـ"عربي بوست" إن "أسعار الأدوية في مصر محددة، ولا يستطيع مُنتِج أو مُصَنّع زيادة سعر الدواء من تلقاء نفسه؛ وبالتالي فلا يعوضه أحد عن فرق السعر الجديد ما يجعله يمتنع عن الاستيراد".
وكشف فؤاد عن وجود نقص في 600 نوع من الأدوية، 85% منها تحت سعر 15 جنيهاً، وهي الخاصة بالفقراء والبسطاء، وقد عزف القطاع الخاص عن إنتاجها لأنه لا جدوى اقتصادية منها بالنسبة لشركات التصنيع".
وطبقاً لفؤاد فقد تسبب نقص أنواع أدوية كثيرة، في ظهور سوق مافيا البدائل، قائلاً إن "المريض يضطر للجوء للسوق الموازي، حيث مافيا سوق البدائل الذي ظهر منذ نحو عامين، ولكن يباع الدواء بثلاثة وأربعة أضعاف سعره الحقيقي، وهو استغلال بشع لحاجة المريض".
نقص الدولار يقتل المرضى
وبشأن أنواع العقاقير الهامة التي اختفت من السوق، وتأثيرها بشكل مباشر على حياة المرضى، قال فؤاد إن هناك نقصاً في عقار "الألبومين"، وهو هام جداً لمرضى الكبد، وجميع أنواع الأنسولين الخاص بمرضى السكر، وألبان الأطفال وهي كارثة كبيرة، وكل أدوية أمراض الدم، وغيرها.
وأضاف أنه يوجد 30 ألف شخص يعانون من مرض سيولة الدم لا يجدون دواءهم منذ شهرين، وبعضهم بدأ يفقد حياته، والشركات المستوردة طلبت من الحكومة أن ترفع السعر من 1100 إلى 1350 جنيهاً، ولكنها رفضت؛ فامتنعوا عن توفيرها.
قفزة السوق السوداء تنهك السوق الرسمي
أما الخبير الاقتصادي ممدوح الولي فقال إن أثر ارتفاع الدولار سيكون مؤلماً على المواطنين، مضيفاً لـ"عربي بوست" أن المواطن يشتري نفس البضاعة بأسعار مختلفة مع كل تغير لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
وأكد الولي أن التأثير لا يتعلق بالسلع المستوردة فقط، إنما يمتد للسلع المحلية التي تدخل في مكوناتها مواد أولية مستوردة، كالأثاث، والسيارات، والأدوات الكهربائية، والإلكترونية، والمنتجات الغذائية، وغيرها.
كما تهدد ندرة الدولار بزيادة البطالة، المرتفعة أصلاً، قائلاً: "الشركات والمصانع تضطر إلى تسريح جزء من عمالها نتيجة تراجع أرباحها بسبب تراجع الانتاج، الذي تسبب فيه نقص المواد الخام التي تأتي من الخارج بالعملة الصعبة".
وتوقع الولي استمرار تداعيات أزمة الدولار طالما ظلت الفجوة كبيرة بين السعر الرسمي للدولار وسعر السوق السوداء، وتراجع الصادرات، وحركة السياحة، والاستثمار الخارجي، وأضاف أنه في كل مرة يحاول فيها البنك المركزي تضييق الفجوة تتسع، بسبب استمرار قفز السوق السوداء أمامه.
الحق في السكن يتلاشى
الحق في السكن بات صعب المنال، ليس على محدودي الدخل فقط بل وبعض متوسطي الدخل بعد زيادة أسعار مواد البناء، والأراضي، التي تأثرت بقوة بارتفاعات الدولار المستمرة أمام الجنيه.
وقال رئيس الشعبة العامة لمواد البناء باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة، أحمد الزيني، إن خامات الحديد بالكامل يتم استيرادها من الخارج، مشيراً إلى أن طن الحديد زاد بمقدار 200 جنيه في 48 ساعة فقط، وبوادر أزمة نقص الحديد قد تلوح في الأفق قريباً.
وأكد الزيني لـ"عربي بوست" أن أغلب مواد البناء المصنعة في مصر خاماتها مستوردة من الخارج ويتحملها المواطن في نهاية المطاف، ولكن بتكلفة أكبر من قيمتها الحقيقية.
وانتقد الزيني سياسة الدولة النقدية التي أدت إلى خلق سوق سوداء بسبب ندرة الدولار، وزيادة المضاربة عليه، مع تراجع قدرة البنك المركزي على توفيره للمستوردين وأصحاب الشركات والمصانع والتجار.
الفول طعام البسطاء يدخل معركة الدولار
وحذر الزيني من موجة غلاء جديدة في أسواق الدواجن واللحوم بعد زيادة طن الذرة من 2000 جنيه إلى 3500 جنيه في أيام قليلة، بسبب قلة في المعروض، مؤكداً أنه "حتى طعام الفقراء من الفول والعدس سيشهد قفزات سعرية".
ويترقب محللون ماليون واقتصاديون طفرة جديدة في أسعار الدولار طالما ظلت الفجوة ما بين الصادرات والواردات في الميزان التجاري كبيرة، حيث تبلغ 38 مليار دولار، فمصر تستورد بما قيمته 60 مليار دولار، وتصدر بنحو 22 مليار دولار فقط، وفق تصريح للمحلل المالي محسن عادل .