هذه المدونة بالعامية
من نِعم ربنا علينا كشعب قدرتنا الفذة على قبول الآخر وإيماننا العظيم بحرية الإنسان في الخلاف والاختلاف. فيقين المصري الراسخ هو أن اختلافنا
رحمة.
ولعل ده ناتج من عمليات التزاوج والاختلاط بمختلف الأجناس على مدار سبعة آلاف عام، بدءاً من التزاوج مع الهكسوس حتى زواج ادلعدي الجنرال مينو بالمزة المصرية زبيدة. هذا غير التزاوج مع الأتراك وإنتاج جيل زي لهطة القشطة عمره ما شاف نفسه على ولاد بلده أو اتفشخر بجذوره التركية.
تناغم عرقي شديد الدقة والجمال كما الدانتيلا على فستان عروسة مأجراه أول لبسة من بوتيك لولو بوستيج.
يتجلى هذا التناغم في أنك عمرك ما تسمع مصري بيشتم أخوه المصري ويقوله يا فلاح. أو مصري بيقول نكتة على أخوه الصعيدي. أو إن مصري شايف إنه ممكن يستثمر للبنت ضلعها ويكسره فيطلع لها بداله ٢٤. أو مصرية بتقول لصاحبتها إوعي تتجوزي العريس ده.. ده إسود وقعر الحلة .
أو مصري بيقول على أخوه البدوي إنه تاجر سلاح ومخدرات و و و و و و . وغيره من الأشياء اللي ممكن ترسخ للعنصرية والاستقطاب في المجتمع.
الحمد لله الكلام ده مش موجود في مصر خالص (سامحني يا رب).
وزي ما التناغم البديع ده موجود في العالم الحقيقي فقد انتقل بحذافيره إلى العالم الافتراضي ودنيا التواصل الاجتماعي .
فنجد إننا والحمد لله معندناش ولا بلوك ولا أنفولو لأي حد مختلف معانا في الرأي أو العقيدة ومش بعيد اللون أو صنف المكرونة بالشاميل اللي بيحبه هل هي نجرسكو أم باللحمة المفرومة.
يعني مثلا عمرنا ما سمعنا حد بيقول لحد "إنت لسه معملتلوش بلوك؟ ده شكله تبع داعش.. ده مشترك في جروب هل صليت على النبي اليوم".
أو حد بيقول إنت لسه معملتلوش بلوك؟ ده مسيحي ابن ستين في سبعين. أو مصري مسيحي يقول اعمله بلوك ده شكله سلفي بتاع إرضاع الكبير .
أو اعمله بلوك ده إخواني خروف. أو إعمله بلوك ده سيساوي هز ديلك .
الحمد لله معندناش الكلام ده خالص في الفيس بوك في مصر .
لأ بقى.. مش قادرة استحمل أكذب أكتر من كده. الحمل تقل عليا يا جماعة. لأ عندنا.. والختمة الشريفة عندنا وإحنا شعب عنصري ابن لذينا .
" هييييييحححح" (بصوت أحمد موسى) أنا كده ارتحت. الحقيقة إن الـ"فيس بوك" عندنا تحول للـ" فيل بوك".
فحكاية الفيل والعميان تتجسد بشدة في الفيس بوك النسخة المصري. ولعلنا نذكر حكاية العميان الذين طلب منهم وصف الفيل باستخدام حاسة اللمس فقط. فخرج علينا كل منهم بوصف هو فيه صادق لكنه أبعد ما يكون عن الحقيقة. فلا الفيل كالحبل ولا كالحائط ولا كالمروحة وبالطبع ليس كعمود ضخم .
لكن بسبب أننا شعب غير عنصري وغير متحيز في اختياراته ونظرته للآخر (عودا للفشر من تاني.. عشانا عليك يا رب)، تحول الفيس بوك إلى فيل بوك وصار أقرب ما يكون إلى الجيتو.. كل جيتو يمثل أحد العميان ويلمس جزءا مختلفا من الفيل .
وفي داخل كل جيتو يؤازر أفراده بعضهم البعض، مؤكداً حقيقة الفيل كما يلمسونه. فيتحول الوهم البين إلى حقيقة ساطعة، تواجه وبكل حزم أي تصور مختلف لشكل الفيل. ولأن كل جيتو يتميز بالنقاء العرقي الناتج عن البلوك المتين، نجد أن كل جيتو يظن نفسه الأغلبية وما دونه أقلية على غير هدى (على أفضل تقدير).
ولأننا ولله الحمد شعب زي الفل ومش عنصري بالمرة فكل جيتو يؤمن بضرورة التخلص من الجيتوهات التانية حتى تسطع الحقيقة التي يؤمن بها .
لكن للأسف الشديد هناك فئة في النص مايعة كده ونحنوحة ومش لاقية جيتو يلمها. ولا تتميز بالنقاء العرقي وسمحت لنفسها بالتواصل بكل الجيتوهات على الفيل بوك من خلال (استغفر الله العظيم) الفيس بوك. وحسابها على الفيس بوك يضم (اللهم احفظنا) أفراد من كل الجيتوهات التانية الموجودة على الفيل بوك .
هذه هي الفئة الوحيدة التي ترى الفيل كاملاً. وبح صوتها وهي تصرخ في سكان الـ"فيل بوك": يا جماعة الفيل أربع رجلين وزلومة وديل.. والختمة الشريفة فيل.. إن شالله تنطسوا في نظركم فيل".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.