حتى مجرد الدعاية الانتخابية المباشرة قد تصعب على مرشحي محافظة شمال سيناء لانتخابات مجلس النواب المصري في ظل الصراع المسلح بين الجيش المصري وتنظيم ولاية سيناء الذي بايع تنظيم الدولة الإسلامية العام الماضي.
في السابق كان المرشحون يجوبون مدن المحافظة وقراها للالتقاء بالناخبين وحثهم على انتخابهم، أما الآن فالأرجح ألا يجرؤ مرشح أو مشارك في دعايته على السير في طريق يمكن أن ينهمر فيه الرصاص فجأة أو تتطاير على قارعته شظايا قنبلة.
وربما لا تكون للقاءات الجماهيرية المباشرة بين المرشحين والناخبين أهمية كبيرة في المجتمع البدوي، حيث تفرض الولاءات القبلية نفسها مسبقاً فتحدد رأي الناخب دون أي اعتبارات سياسية أو حزبية أو مذهبية. إلا أن الوضع الأمني يثير تساؤلات عن مدى الأمان الذي قد يشعر به الناخبون بما يدفعهم للتوجه إلى مقار اللجان الانتخابية والإدلاء بأصواتهم.
المُناخ غير ملائم للانتخابات في سيناء
تقول منى برهومة، الناشطة البارزة في شمال سيناء: "المُناخ غير مناسب للانتخابات خاصة في الدائرة التي تضم مدينتي الشيخ زويد ورفح".
وهذه الدائرة واحدة من أربع دوائر انتخابية في المحافظة المتاخمة لإسرائيل وقطاع غزة، ويتنافس فيها 38 مرشحاً على خمسة مقاعد مقابل ستة مقاعد للمحافظة قبل صدور قانون حديث قسم مقاعد البرلمان على الدوائر الانتخابية بحسب الكثافة السكانية.
وقالت برهومة: "الطرق مغلقة. القرى شبه خاوية بعد هجرة كثير من السكان. أنا لا أعرف حتى أين توجد لجنتي الانتخابية. في وضع كهذا كيف سيتحرك المرشحون لعرض برامجهم على الناخبين؟".
وكانت منى تقيم في منزل برفح أزيل ضمن آلاف المنازل خلال العامين الماضيين لإقامة منطقة عازلة قالت الحكومة إنها ضرورية لغلق مئات من الأنفاق تحت خط الحدود مع غزة وتستخدم في تهريب السلع والأشخاص والسلاح.
وتساءلت: "يقولون عن مناطق الدائرة: الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود. فمن هو الناخب الذي سيشارك بصوته؟.
وتوقعت أن تقل نسبة المشاركة في الاقتراع عن واحد في المئة في دائرة الشيخ زويد ورفح. وقال مراقبون إن نسبة المشاركة ستتأرجح من منطقة إلى أخرى طبقا لطبيعة الظروف الأمنية وقت الاقتراع.
سيجرى الاقتراع في شمال سيناء و12 محافظة أخرى في الثاني والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني ولمدة يومين ضمن المرحلة الثانية من الانتخابات. وتجري المرحلة الأولى يومي 18 و19 من الشهر الحالي.
وسقط في الصراع المسلح في المنطقة مئات من أفراد الجيش والشرطة المصرية إضافة إلى مئات من عناصر تنظيم الدولة، وتقول الدولة المصرية إنها تشن حربا هناك على "الإرهاب"، وتصف أعداءها بالتكفيريين، بينما يقول عناصر التنظيم إنهم يحاربون الجيش لأنه يمثل دولة لا تطبق الشريعة الإسلامية.
وكانت جماعة أنصار بيت المقدس قد غيرت اسمها إلى ولاية سيناء بعد أن بايعوا الدولة الإسلامية في نوفمبر تشرين الثاني.
الوضع الانتخابي صعب
طال انتظار الانتخابات التي تأمل الحكومة أن تبث الطمأنينة في نفوس السائحين والمستثمرين الأجانب الذين فضلوا الابتعاد عن البلاد بسبب الاضطراب السياسي والتراجع الاقتصادي والمشكلات الأمنية بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في ثورة 2011.
وقال حسام شاهين المرشح بمدينة العريش عاصمة شمال سيناء في اتصال هاتفي إن الوضع الانتخابي صعب في ثلاث من دوائر المحافظة الأربع.
وقتل شقيق شاهين قبل أيام وتعتقد المصادر الأمنية أن متشددين قتلوه لأنه كان مقاولا يتعامل مع قوات الأمن.
وقال حسام شاهين إنه وعددا من المرشحين يفكرون جديا في ضرورة "تجميد الوضع الانتخابي في المحافظة… ثلاث من دوائر المحافظة في قلب الحدث" مشيرا إلى دائرة الشيخ زويد ورفح ودائرة العريش ودائرة وسط سيناء.
وقال حسام الكاشف المرشح في دائرة العريش "الوضع الأمني مؤثر نفسيا على الناخبين. عندنا حظر تجول متفاوت المدة ومناطق محظورة أمنيا."
والدائرة الوحيدة الهادئة بدرجة كبيرة هي دائرة بئر العبد ورمانة. وقال سامي الهواري أحد المرشحين عنها "الوضع عندي في بئر العبد آمن جدا وممتاز جدا. أنا ضد تأجيل الانتخابات."
وعلى المستوى الرسمي قال مصدر بمديرية أمن شمال سيناء لرويترز إن الانتخابات ماضية في طريقها في المحافظة رغم العنف. وقال "تم تجهيز خطة تأمين للجان الانتخاب في مراكز المحافظة بدوائرها الأربع … سيتم نشر القوات خارج لجان الانتخاب بالتنسيق مع الجيش."
وأضاف "سيتم الدفع بدوريات متحركة وأخرى ثابتة إلى جانب اعتلاء أفراد الأمن أسطح المباني العالية وستمر سيارات الكشف عن المفرقعات في الشوارع."
لكن مصدرا أمنيا آخر قال لرويترز إن قوات الأمن لن تكون مسؤولة عن تنقلات المرشحين الذين يرغبون في لقاء الناخبين ولن تؤمن أي لقاء انتخابي إلا إذا كان من بين حاضريه مسؤولون كبار.
وتحول القيود الأمنية في شمال سيناء دون التغطية الصحفية المباشرة.
النائب والناخب
ويبدي بعض الناخبين شكوكهم في جدوى انتخاب نواب يمثلونهم في البرلمان ويساعدونهم في حل مشاكلهم في ضوء الوضع الأمني حاليا.
وقال مواطن من شمال سيناء طالبا ألا ينشر اسمه "ليس بإمكان أي نائب حل مشاكل لها علاقة بالحالة الأمنية لأن الاعتبارات الأمنية لها الأولوية على أي اعتبار."
ومن بين ما يشكو منه سكان، مقتل رجال بعد خطفهم أو أمام بيوتهم أو حتى في الأسواق للاشتباه بمساعدتهم قوات الأمن.
وخلال الشهور الماضية نشر مؤيدون لولاية سيناء في صفحات على تويتر صورا لرجال قتلتهم الجماعة بإطلاق الرصاص على رؤوسهم لتعاملهم مع قوات الأمن.
ونشروا أيضا صورا لرجال قطعت رؤوسهم بدعوى تجسسهم لصالح المخابرات الإسرائيلية (الموساد) على حد قول بيانات نسبت للجماعة.
ويشكو بعض أبناء قبائل شمال سيناء من التمييز، على سبيل المثال منع شغل الوظائف المهمة في الحكومة. ويقول سكان إن مشاكل من هذا النوع زادت وطأتها مع اندلاع العنف الواسع في شمال سيناء.
وشكا أيضا سكان في رفح من أن السلطات لم تحذرهم قبل إزالة منازلهم في المنطقة العازلة بوقت كاف وشكا آخرون من أنهم لم يتلقوا تحذيرا من الأساس. وهم يقولون إن التعويضات عن المساكن المزالة غير كافية لإقامة مساكن مماثلة في أماكن أخرى وإن السلطات لم تعوض من أزيلت مزارعهم.
وانطوت عملية إقامة المنطقة العازلة بعمق كيلومتر على إزالة مئات الأفدنة من المزارع.
قال حاتم البلك المسؤول عن حزب الكرامة العربية في شمال سيناء "لا يوجد المرشح الذي يستطيع أن يفعل أشياء تجعل الناخبين يشعرون أنهم لم يعودوا مضطهدين."
وأضاف "الحكومة لا توظف أبناء القبائل في الجهات الحساسة في الدولة. يمكن أن تعين ضابطا في الشرطة وآخر في الجيش ذرا للرماد في العيون."
وقال البلك في اتصال هاتفي مع رويترز إن حزبه سيقاطع الانتخابات مشيرا إلى صعوبة التقاء المرشحين بالناخبين "الحالة الأمنية متردية جدا. ثلاثة من شيوخ القبائل من كبار الناس هنا قتلوا في الآونة الأخيرة. لهذا ولغيره قاطعنا الانتخابات."
وأضاف "المرشحون يحاولون مبكرا الاتصال بالناخبين على الفيسبوك. لكن هل ذلك يجدي؟"
تنمية ومعوقات
أبدت الحكومات المصرية المتعاقبة حماسا للتنمية في سيناء بعد عودتها لمصر تطبيقا لمعاهدة السلام مع إسرائيل التي وقعت عام 1979 لكن سكانا يقولون إن جهود التنمية ضعيفة ولا تلبي احتياجاتهم.
من أهم المشروعات استهدفت تنمية سيناء بعد استعادتها مشروع نفق (الشهيد أحمد حمدي) ومشروع (ترعة السلام) التي تنقل مياه الري إلى شبه الجزيرة ومشروع السكك الحديدية الذي كان مقررا أن يصل إلى رفح ومشروع (كوبري السلام) الذي أقيم فوق قناة السويس وافتتح عام 2001.
ويعاني أغلب المشروعات من مشاكل ومعوقات. بل إن مشروع السكك الحديدية لم يكتمل ونزع لصوص قضبانا من المرحلة التي تمت منه كما أن أسبابا أمنية دفعت مصر لإغلاق (كوبري السلام) منذ نحو عامين.
وقالت أحلام الأسمر المستشار الإعلامي للجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء التابع لمجلس الوزراء "الهاجس الأمني معطل للتنمية بشكل كبير في سيناء." وأضافت أن الحكومة والقوات المسلحة تضعان مع ذلك خطط مشروعات للبدء فيها خاصة في منطقة بئر العبد حيث يسود الهدوء.
لكنها قالت "تحتاج الحكومة إلى طريقة أخرى مختلفة عن المعالجة الأمنية. نسف البيوت (لإقامة المنطقة العازلة) خلق أعداء جددا لها وتوسيع دائرة الاشتباه يمثل عجزا أمنيا.
"أنا عازفة عن المشاركة في العملية الانتخابية."