تماما كما تفعل كل مساء، خلدت الأم "نور حسان"، الحامل في شهرها الخامس إلى النوم، برفقة طفلتها "رهف" ابنة العامين.
غير أنها لم تدرك أن هذه الليلة ستكون الأخيرة لها ولصغيرتها، بفعل قصف شنته طائرات حربية إسرائيلية، على أرض ملاصقة لمنزلها الواقع جنوبي مدينة غزة، أحال أجزاءً كبيرة منه، إلى أكوام من الدمار.
وأودى القصف الإسرائيلي بحياة نور (30 عاماً)، وصغيرتها رهف (عامان) فيما أصيب 3 آخرون، في مشهد يصفه صبري حسان شقيق زوج القتيلة (سلفها) بـ"المأساة الإنسانية".
وكانت عقارب الساعة تشير إلى حوالي "الثانية" فجراً، عندما استيقظ حسان (35 عاماً)، فزعاً على أصوات انفجارات ناجمة عن قصف شنته طائرات حربية إسرائيلية، على أرض ملاصقة لمنزل شقيقه في حي الزيتون جنوبي شرق مدينة غزة.
ويروي حسان لحظة خروجه من بيته مسرعاً إلى منزل شقيقه القريب، مضيفاً: "ما إن وصلنا حتى صدمنا بمشهد الركام والنيران".
وأخذ حسان يجهش بالبكاء، ويصرخ بصوت مخنوق: "قصفوا الدار (المنزل)، هاتوا (أحضروا) الإسعاف".
ويبدو أن قوة تأثير الغارة الإسرائيلية، على منزل "حسان" البسيط المتواضع، كانت السبب في ذلك المشهد الذي لم يتوقعه الفلسطينيون هذه الليلة، فقد انهار البيت بشكل كامل، ودفن تحت أنقاضه أسرة مكونة من 4 أفراد، وتطايرت حجارته لمسافات بعيدة.
ولم يتبق من المنزل الذي تحول لمجرد كومة من الركام والحجارة، غير دمى ممزقة، وملابس، وأثاث محطم ومحترق.
وقبل أن تنتشل طواقم الدفاع المدني، القتلى والجرحى من تحت أنقاض المنزل، مرت ثلاث ساعات امتزجت فيها مشاعر الرعب والقلق والغضب وكانت أشبه بكابوس، بالنسبة لحسان، الذي كان يشاهد أطفال أخيه وهم غرقى بالدماء والغبار.
ويقول حسان كان القصف شديداً وأدى لحفر حفرة تحت البيت يزيد عمقها عن السبعة أمتار.
ويضيف: "البيت كان مكوناً من طابق واحد فقط، والآن لم يتبق منه غير الملابس الممزقة والأثاث المحروق والمحطم ودمى الأطفال".
ويتابع بنبرة حزينة، بينما كان يتواجد في ثلاجة الموتى في مجمع الشفاء الطبي، إلى جانب جثتي طفلة شقيقه ووالدتها: "ألعاب وملابس وذكريات دفنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي تحت ركام المنزل، كان هنا يعيش أطفال لم يأخذوا حقهم في الحياة (…) استشهدت طفلة أخي التي لم تتجاوز الثلاثة أعوام ولا أظنها كانت تحلم إلا بدمية جديدة".
وتابع: "استشهدت زوجة أخي أيضاً وهي حامل في شهرها الخامس، وأصيب زوجها وابنها بجروح متوسطة وطفيفة ولا أدري ماذا فعلت هذه العائلة للاحتلال، لقد زرتهم قبل أيام وكان الأطفال يلعبون ويضحكون مع والدتهم"، كما يقول حسان.
أما يحيى حسان، زوج "نور"، ووالد الطفلة "رهف"، فقد رفض الإدلاء بأي تصريح للصحفيين واكتفى بعبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل".
وكان الجيش الإسرائيلي، قد قال الأحد 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 اليوم إن طائرات سلاح الجو التابعة له، قصفت في الساعات الأولى من فجر الأحد موقعين لحركة (حماس) في قطاع غزة، رداً على إطلاق صاروخ من القطاع على جنوبي إسرائيل، مساء أمس.