كعادة كتب العلامة الشيخ علي الطنطاوي(ت1999م) في ذيوعها وانتشارها وتهافت القراء عليها، وكثرة طبعاتها، طُبع كتابه "تعريف عام بدين الإسلام" أكثر من عشرين طبعة، وانتشر في الآفاق كسائر كتبه رحمه الله. وقد اطلعت عليه في طبعته الرابعة عشرة التي طبعت عام 1412هـ/1992م، بدار الوفاء بالمنصورة، وهي في(202) صفحة من القطع المتوسط.
وأثناء اطلاعي على هذا الكتاب ومقارنته بغيره في موضوعه، تبينت لي عدة نقدات، أهمها:
لم يحقق المؤلف غرضه من كتابه؛ حيث كان يريد عرض الإسلام شاملا مختصرا سهلا ميسورا كما كان يعرضه النبي على الوفود -خالية الذهن من معرفة أي شيء عنه – في يوم أو بعض يوم، فكيف وقد جاء الجزء الأول فقط في مائتي صفحة، واشتمل على أمور فلسفية لا يستطيع أن يحيط بها إلا ذو حظ من ثقافة وعلم؟!
كان من شرط التلاميذ الذين دفعوه لكتابة هذا الكتاب هو أن يضع لهم كتابا ليس في الفقه ولا التجويد ولا العقيدة ولا التفسير…إلخ، ولم يفِ المؤلف رحمه الله بهذا الشرط، فقد وضع كتابا خالصا في العقيدة، ولا يشفع له بعض الصور العلمية العصرية والتقريبات الفلسفية.
عرض العقيدة عرضا لا يخرج -غالبا- عما قام به السابقون، إلا بزيادة بعض الأمثلة المقربة، والآراء الفلسفية المعاصرة.
كانت هناك محاولات سابقة قامت لهذا الغرض نفسه ولم أرَ ذكرا لها عند المؤلف رحمه الله، منها: محاولة القاضي أبي بكر الجصاص الحنفي(ت370هـ) في كتابه"أحكام القرآن". والإمام الغزالي(ت505هـ) في كتابه"جواهر القرآن". حيث حاول أن يحلل جوهر القرآن وأن يرده إلى عنصرين أساسيين، هما المعرفة والسلوك. وحصر في الأول (763) آية، وحصر في الثاني(741) آية. والقاضي أبي بكر بن العربي المالكي(ت542هـ) في كتابه"أحكام القرآن" أيضا.
والشيخ أحمد بن محمد الأردبيلي الشيعي(ت993هـ) في كتابه"درة البيان في آيات الأحكام". وملا أحمد جيون الهندي الحنفي(ت1130هـ) في كتابه"التفسيرات الأحمدية في بيان الآيات الشرعية"، بمومباي (1327هـ). والشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري النجفي الشيعي(ت1150هـ) في كتابه" قلائد الدرر في بيان أحكام الآيات بالأثر".
والإمام حسن البنا(ت1949م) في رسالة"بين الأمس واليوم"، التي ألفها عام 1943م ، وهي أشمل وأجمل وأكمل ما كتب في هذا الموضوع. ودكتور محمد عبد الله دراز(ت1958م)، في كتابه"دستور الأخلاق في القرآن دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن"، وهو رسالته للدكتوراه في السوربون، عام 1947م، وعرَّبها وحقَّقها وعلَّق عليها دكتور عبد الصبور شاهين.
والعلامة الطاهر ابن عاشور(ت1973م)، في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" وكان هدفه من تأليفه مشابها لهدف مؤلفنا رحمه الله. وأبي الأعلى المودودي(ت1979م) في كتابه"تدوين الدستور الإسلامي".
العقيدة عنده ساكنة لا ديناميكية فيها؛ حيث لم يدلل من التاريخ الإسلامي على نتائج تحقيق العقائد التي ذكرها في رفعة الأمة، ولا نتائج الابتعاد عنها في انحطاطها، كما فعل حسن البنا، والطاهر ابن عاشور في مؤلفيهما السابقين؛ إذ التاريخ الإسلامي هو مرآة العقائد الإسلامية وأخلاقياتها.
وتدفعني الأمانة العلمية- بعد الاطلاع على الجهود السابقة على المؤلف ومقارنته بها-إلى القول بأن مضمون هذا الكتاب لا ينتمي لتعريف الإسلام إلا بصلة رقيقة جدا، فعنوانه لا يطابق محتواه، كما أن فائدته انتفت بعد عدم تأليف الجزئين الآخرين.
والذي يشبهه في عدم الوفاء بالغرض هو كتاب " محاور القرآن الخمسة" للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وقد كتبت عنه بحثا سابقا بعنوان" نقد كتاب محاور القرآن الخمسة للشيخ محمد الغزالي".
كما أن هذا الكتاب تعرض للنقد أكثر من مرة؛ حيث نقده سليمان الخراشي في كتابه "الطنطاوي في الميزان"، وأيضا أبدت عليه وزارة العدل السعودية عدة ملاحظات في أربع ورقات، منشورة على النت، بدون تاريخ، موضوعها"الملاحظات على كتاب تعريف عام بدين الإسلام لعلي الطنطاوي"، وكلها ملاحظات تتعلق بمخالفات عقدية وعلمية وعددها ستة عشر مخالفة، رحم الله الشيخ علي الطنطاوي وأجزل له المثوبة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.