أثبت المغرب أن بإمكانه التضحية بالكثير من مصالحه الاقتصادية، وعلاقاته الدبلوماسية إذا مُسّت قضية "الصحراء"، وأنه لا يمكنه التساهل فيما يعتبره أبناؤه "القضية الأولى" لبلادهم، جاعلاً منها خطاً أحمر.
آخر فصول قصة "القضية الوطنية الأولى" حين أعلنت الرباط قرارها بمقاطعة الشركات السويدية، الخميس الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2015؛ بسبب ما اعتبرته دعماً للحكومة السويدية لـ"جبهة البوليساريو"، واعتزامها الاعتراف بما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".
محافظة الدار البيضاء (أكبر مدينة في المغرب) أعلنت، الإثنين الماضي، إلغاء افتتاح أول مركز تجاري كبير لشركة "إيكيا" السويدية، لصناعة الأثاث بالمغرب، كان مقرراً في اليوم التالي.
المحافظة عللت هذا الإلغاء بأن "الشركة لا تمتلك شهادة المطابقة التي تمنحها المصالح الإدارية المختصة"، قبل أن يتضح أن المنع تم بسبب خطط السويد للاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية" التي أعلنتها من جانب واحد "جبهة البوليساريو" عام 1975، والتي تنازع المغرب الشرعية على إقليم الصحراء، وتعتبرها الرباط "جمهورية وهمية".
بنكيران والأحزاب السياسية
رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران استدعى رؤساء الأحزاب السياسية المغربية من الأغلبية والمعارضة لاجتماع وُصف بـ"المهم والطارئ"، كان محوره "تقديم بعض الهيئات السياسية السويدية في الحكومة ومجلس النواب مقترح قانون للبرلمان السويدي يرمي إلى تبني مواقف معادية ضد شرعية حق الشعب المغربي الثابت في وحدته الترابية"، بحسب بيان لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة.
وأشار بيان حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض إلى أن اجتماع بنكيران بالأحزاب "يهدف إلى التعبئة من أجل مواجهة مخطط حكومة السويد الاعتراف بالبوليساريو".
واعتبر الحزب أن "المواجهة الصارمة لهذا المخطط، من طرف الشعب المغربي ودولته، هي الرسالة التي ينبغي أن تُبلغ لحكومة السويد وباقي القوى السياسية في هذا البلد، للتأكيد على ثبات الموقف المغربي وإجماعه في مواجهة أية محاولة لتمزيق كيانه والمسّ بوحدته الترابية".
من جانبه استنكر حزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الائتلاف الحكومي، تطورات الموقف السويدي من القضية الوطنية، معتبراً "كل مساس بالوحدة الوطنية (يشكل) عدواناً على المغرب وسيادته".
استدعاء سفيرة السويد
وكانت الخارجية المغربية استدعت، الثلاثاء الماضي، سفيرة السويد لدى الرباط، إيريكا فرير، للاحتجاج على اعتزام حكومة بلادها الاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية الديمقراطية".
ومن جهتها قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية السويدية، آنا إيكبروغ، في تصريحات صحافية، إن المعلومات التي وردت حول منع شركة "إيكيا" تتحدث عن أن المركز التجاري لا يملك جميع الرخص المطلوبة في المغرب، مضيفة أن "الأمر ليس له أية صلة بسياسة السويد فيما يخص الصحراء".
المغرب و"الجمهورية الصحراوية" قضية قديمة جديدة
لا يرى المغرب ما اعتبره "مخططاً لتمزيق كيانه"، طارئاً، فقبل أكثر من 30 عاماً وتحديداً في 1984، قرر الانسحاب من منظمة "الوحدة الإفريقية"، التي تعرف الآن بـ"الاتحاد الإفريقي"، بسبب اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية" ممثلاً لما وصفته بـ"الشعب الصحراوي".
ومن يومها ظل المغرب يعتبر العهد الذي بينه وبين الدول الإفريقية "قضية الصحراء"، فمن اعترف بـ"الجمهورية الصحراوية" فقد خرج من دائرة أصدقائه.
الموقف ظل من "مغربية الصحراء" بمثابة الميزان الذي تُقاس به درجة العلاقة بين المغرب وباقي الأطراف الدولية.
المغرب لا يلين في هذا الموقف
ولم يقتصر الأمر على بعض الدول الإفريقية أو الدول التي توصف بـ"الضعيفة"، بل إن المملكة دخلت في مواجهة دبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 2013، رغم أنها تعتبر من حلفائها في المنطقة، لأن الخارجية الأميركية في مسوّدة مبادرة لها دعت إلى توسيع مهمة بعثة "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في "إقليم الصحراء".
وأعلنت الرباط رفضها المبادرة، على اعتبار أن الصحراء تمثل جزءاً من التراب المغربي، وأن توسيع مهمة البعثة تحريف لمهمتها الأصلية وهي مراقبة الالتزام بقرار إطلاق النار بين المغرب وجبهة "البوليساريو".
وفي نهاية المطاف خلا القرار الأميركي الذي قُدم إلى مجلس الأمن من أية إشارة إلى توسيع مهمة البعثة، وخرج قرار الأمم المتحدة كذلك خالياً من هذه النقطة.
كما ظلت علاقات المغرب مع دول أميركا الجنوبية فاترة، وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية؛ بسبب اعتراف الأخيرة بالجبهة، ودعمها لها، واحتضانها لقيادتها ونشطائها وطلابها، ولم تغير المملكة من سياستها تجاه بعض هذه الدول إلا بعد سحب اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية".
علاقات الرباط الخارجية مكبلة
لكن إذا كانت قضية الصحراء خطاً أحمر عند المغرب فإن مراقبين يعتبرونها بمثابة "قيد" أو "ذراع مؤلمة" في علاقات الرباط الخارجية ومواقفها من مجموعة قضايا عربية وإسلامية ودولية، حيث تكون دائماً في جانب الدول الداعمة لها في "شرعية مغربية الصحراء"، حتى لو لم تكن هذه المواقف على هوى الشعور القومي أو الديني للمغاربة.
في سياق تفسيره للسلوك السياسي المغربي، قال خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة (شرق)، إن الموقف الرسمي لبلاده "يعكس موقفاً مغربياً عاماً من القضية".
واعتبر أن "قضية الصحراء عند المغاربة ليست فقط قضية سياسية، بل قضية كرامة، وشعب، وأمة، وحق، ودفاع أبناء الوطن عن مغربية الصحراء شيء ثابت وليس فيه مزايدات".
ومع ذلك، رأى شيات أن هذا الموقف "لا يعني أن الدبلوماسية المغربية لم تخطئ في طريقة دفاعها عن هذه القضية العادلة"، مضيفاً: "المغرب فقد الكثير خصوصاً في بداية الأزمة، لاسيما وأنه اعتبر أن قضية الصحراء بمثابة ترمومتر يقيس به علاقته بالدول خاصة التي اعترفت أو دعمت البوليساريو، فكان موقف الرباط هو سحب السفراء أو القطيعة الدبلوماسية مع هذه الدول، بل والانسحاب من منظمات إقليمية".
ودعا شيات بلاده إلى "التعامل بذكاء أكبر في الدفاع عن قضية الصحراء، خصوصاً مع الدول العريقة في الديمقراطية مثل الدول الإسكندنافية، التي للرأي العام فيها تأثير كبير على القرار السياسي".
وأضاف أن "تعامل المغرب في بعض الحالات، كما في حالة السويد، يعطي انطباعاً بأن المغرب يقايض مواقف سياسية بمصالح اقتصادية"، معتبراً أن "هذا السلوك يكرس حالة من عدم الفهم لطبيعة القضية والصراع حولها".
بداية قضية "إقليم الصحراء"
بدأت قضية "إقليم الصحراء" عام 1975، بعد إنهاء الاستعمار الإسباني، ليتحول النزاع بين المغرب و"جبهة البوليساريو" إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.
وتشرف الأمم المتحدة بمشاركة جزائرية وموريتانية، على مفاوضات بين المغرب والجبهة، بحثاً عن حل نهائي للنزاع حول إقليم الصحراء منذ توقيع الطرفين اتفاقاً لوقف إطلاق النار عام 1991.
يُذكر أن بعثة الأمم المتحدة إلى إقليم الصحراء المعروفة باسم "المينورسو" تأسست بقرار لمجلس الأمن الدولي رقم 690 في أبريل/ نيسان 1991، ومهمتها الأساسية العمل على حفظ السلام، ودأب المجلس على التجديد لها سنة واحدة في شهر أبريل/ نيسان من كل عام.
ويعتبر المغرب "المسيرة الخضراء" التاريخ الرسمي لتحريره أقاليمه الجنوبية (الصحراء) من الاستعمار الإسباني.
ففي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، توجه نحو 350 ألف مغربي في مسيرة سلمية، بدعوة من العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، إلى جنوب البلاد، وكان وقتها خاضعاً للاستعمار الإسباني، لتحريره.
وبعد أيام على المسيرة وقع المغرب وإسبانيا، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 اتفاقية انسحبت بموجبها القوات الإسبانية من إقليم الصحراء وأصبحت خاضعة للسيادة المغربية.
وبعد انسحاب إسبانيا، اندلع نزاع مسلح بين المغرب و"جبهة البوليساريو" حول الصحراء استمر حتى عام 1991، حيث توقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.