تفاقم الفساد "الصغير" في تونس بعد الثورة، مع أن فساد الدولة كان من الأسباب الرئيسية للإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي مطلع 2011، فيما تنتقد منظمات غياب إرادة سياسية لمكافحة هذه الآفة التي ما زالت تعرقل نمو اقتصاد البلاد.
المصالحة مع رجال أعمال فاسدين
الحديث عن الفساد في تونس عاد بقوة منذ أن تبنت حكومة الحبيب الصيد منتصف يوليو/ تموز الماضي مشروع قانون اقترحه الرئيس الباجي قائد السبسي، يقضي بإقامة "مصالحة" مع رجال أعمال فاسدين شرط إرجاعهم أموالا عامة نهبوها.
الحكومة أحالت مشروع قانون "المصالحة" هذا إلى البرلمان الذي لم يحدد بعد موعدا لمناقشته.
رفض جماعي
نقابات وأحزاب ومنظمات تونسية وأخرى أجنبية رفضت مشروع القانون الذي تظاهر ضده تونسيون في عدد من مناطق البلاد معتبرين أنه يهدف إلى "تبييض الفساد" و"تكريس الإفلات من العقاب".
يقول سمير العنابي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" بعد الثورة شهد الفساد الصغير ارتفاعا كبيرا وطال كل القطاعات، وهو يزداد انتشارا". لا فتا إلى أن "الفساد الكبير" الذي ضلعت فيه عائلتا زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي "توقف بعد الإطاحة بنظام بن علي لأنه لم تعد هناك مشاريع وصفقات كبرى تدر أموالا طائلة".
الفساد الصغير
ومن أشكال الفساد "الصغير" المتفاقم في تونس "الغش والمحسوبية" في مسابقات التوظيف بالقطاع العام والتهرب الضريبي ورشوة مسؤولين في إدارات عامة بهدف "تسريع" قضاء شؤون متعاملين مع الإدارة أو تجنيبهم غرامات مالية كانت ستسلط عليهم بسبب ارتكابهم مخالفات للقانون، وفق سمير العنابي.
أول دراسة محلية حول "مؤشر مدركات الفساد الصغير في تونس" نشرتها في نيسان/ابريل الماضي "الجمعية التونسية للمراقبين العموميين" (غير حكومية)، أفادت أن التونسيين دفعوا في 2013 رشاوى بقيمة 450 مليون دينار (حوالي 205 ملايين يورو) لموظفين عموميين.
البيروقراطية المفرطة
وعزا شرف الدين اليعقوبي رئيس الجمعية أسباب تفاقم الفساد الصغير في تونس إلى "البيروقراطية المفرطة وظاهرة الإفلات من العقاب جراء عدم تطبيق السلطات للقوانين الزجرية على الفاسدين ما جعلهم يشعرون بالاطمئنان ويتمادون في فسادهم وغياب الشفافية والمساءلة وضعف هيئات الرقابة (الحكومية) وضعف الوازع الديني والاخلاقي والاستهتار بالقوانين وجشع الموظفين للمال".
مضيفا أن بعض الحالات تم وبالوثائق، إثبات تورط مسؤولين إداريين في الفساد وإبلاغ السلطات بذلك" لكن بدل معاقبتهم فوجئنا بترقيتهم إلى مناصب أهم".
لا يوجد مكافحة للفساد
مهاب القروي المدير التنفيذي لمنظمة مكافحة الفساد التونسية "أنا يقظ" وهي فرع لمنظمة الشفافية الدولية يرى أنه ليس هناك إرادة سياسية لمكافحة الفساد في تونس بدليل عدم إصدار وتفعيل إطار تشريعي لمكافحة الفساد وعدم تفكيك منظومة الفساد القديمة التي مازالت متمترسة داخل الإدارة.
القروي قال إن هذا الامر أدى إلى ظهور طبقة جديدة من الأثرياء من سياسيين ورؤساء الأحزاب ورجال أعمال وإعلاميين، كانوا فقراء قبل الثورة ثم انقلبوا بعدها إلى أصحاب سيارات وعقارات وأموال.
خسائر تونس من الفساد
البنك الدولي قال في تقرير بعنوان "الثورة غير المكتملة" في مايو/ أيار 2014 إن الفساد يكبد الفساد تونس 2 % من إجمالي الناتج المحلي سنويا"، مشيرا إلى "تفاقم" هذه الظاهرة منذ الثورة، مؤكدا أن معدل انتشار الفساد في تونس يعد من بين أعلى المعدلات في العالم حسب المعاير الدولية.
تونس في لائحة الفساد
ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، تراجع من المرتبة 59 في 2010 إلى المرتبة 79 في 2014.
ورأى سمير العنابي انه قد تكون لدى الحكومة إرادة سياسية لمكافحة الفساد، لكن الادارة العمومية الفاسدة وأصحاب المصالح والنفوذ يحولان دون ذلك" الحكومة تحولت إلى رهينة لدى الإدارة العمومية.
تركة النظام القديم
خلال زيارته في مايو/ أيار الماضي إلى الولايات المتحدة، أقر الرئيس الباجي قائد السبسي في مقال مشترك مع نظيره الاميركي نشرته صحيفة واشنطن بوست بأن "تركة النظام القديم من سوء إدارة وفساد لا تزال تخنق النمو الاقتصادي" في تونس.
الحوكمة
طارق البحري المدير العام المكلف بمصالح الحوكمة في رئاسة الحكومة أوضح أن إرساء الحوكمة ومكافحة الفساد في الادارة التونسية سيكونان العمود الفقري للمخطط الانمائي الخماسي القادم (2016-2020).
وأضاف أن الحكومة "تضع اللمسات الاخيرة" على عدد من مشاريع القوانين بعضها يتعلق بحماية المبلغين عن الفساد، والإثراء غير المشروع للموظفين بالقطاع العام.
مهاب القروي حذر من أن الفساد ونهب المال العام في تونس قد يتفاقمان أكثر في حال صادق البرلمان على مشروع قانون "المصالحة".
لكن السلطات تنفي هذه الفكرة وترى في النص وسيلة "لطي صفحة الماضي وإنعاش الإقتصاد". وهي تأمل في استعادة حتى 700 مليون يورو إذا تم تطبيقه.
وتوقع سمير العنابي أن تكون "المعركة ضد الفساد في تونس طويلة وشاقة".