و تحكي الريفية الحدوتة المتوارثة عن فلاح سعيد كان دائما ما يسير منشكحا و فاشخا ضبه وعاوجا طاقيته الشبيكة مدندنا: يا حلو يا قفايا يا اللي عمرك ما اتسكيت.
واتسكيت باللهجة المصرية تعني انضربت.
و تحكي الحدوتة عن جاره الذي امتلأ غيظا وقرر أن يسكه على قفاه حتى ينتهي من الغناء.
ذهب الجار المغتاظ للفلاح فوجده يروي حقله وصوته يعلو بأغنيته المفضلة " يا حلو يا قفايا يا اللي عمرك ما اتسكيت " . فزفر الجار غيظا و قال للفلاح: حل بقرتك من الساقية، لقد قررت أن أسقي الآن حقلي.
فرد الفلاح مبتسما: حالا يا جاري العزيز، يبدو أنك مشغول وأنا أصلا فاض بقية اليوم و يمكنني أن أكمل الري عندما تنتهي أنت.
اغتاظ الجار أكثر وقال له: لا تحل بقرتك، لقد قررت أن أروي حقلي بها.
ازدادت ابتسامة الفلاح و قال: يعني هي البقرة هاتخس؟ دي يزيدها شرف إنها تروي لك يا جاري العزيز.
استشاط الجار غضبا وتمادى في غيه و قال: أنت من ستروي لي حقلي.
رد الفلاح وقد ازداد انشكاحا و بانت ضروس عقله من فرط الابتسام: أمرك يا جاري العزيز. يعني أنا ورايا الديوان يا خي؟!!
وانطلق الفلاح ليروي أرض الجار وقد رفع عقيرته بالغناء "يا حلو يا قفايا ياللي عمرك ما اتسكيت " بينما كان الجار يضرب كفا بكف وقد تيقن أن هذا الفلاح لا يمكن سكه على قفاه.
نموذج هذا الفلاح موجود في مصر والعالم الثالث منذ فجر التاريخ وإلى الآن. و لعل الهرم الأكبر عجيبة الزمان على مر الزمان خير شاهد على ذلك، فقد حافظ المصري القديم على قفاه من السك لمدة 20 عاما حتى يبني مقبرة لفرعونه والذي كان اسمه على سبيل الصدف المضحة المبكية "خوفو".
و تدرج المصري في الحفاظ على قفاه على مر التاريخ، فقد حافظ على قفاه 200 عام هي فترة حكم الهكسوس. ثم ظل يحافظ على ذلك القفا المقدس فترات و حقباً بعدها شملت فترات حكم الرومان واليونان والبطالمة والأتراك و الفرنسيين والمماليك والإنجليز حتى عندما تقلد الحكم أبناء جلدته، ظل الفلاح المصري المحافظ على قفاه من السك حاضرا طول الوقت. و ظل السك على القفا وسيلة تعبيرية معتمدة عندنا في شعوب العالم الثالث فهي وسيلة للتواصل بين المواطن والنظام الحاكم طوال الوقت. فنجد أن التحية المعتمدة في أقسام الشرطة هي السلام على القفا، على حد سواء نجدها وسيلة يعبر بها المواطن عن مشاعره تجاه الشخصيات العامة، و هنا تحضرني واقعة سك البرلماني المصري الشهير ( ****) في ميدان التحرير، وحادثة سك الإعلامي الشهير ( *****) بالأمس القريب في زيارة الرئيس لأمريكا
بل إن المواطن نفسه الذي من نوعية " يا حلو يا قفايا ياللي عمرك ما اتسكيت " يرى أنها ضرورة من ضرورات الحكم والحفاظ على كيان الدولة.
و إذا ما سألته عن رأيه في بني وطنه فسيرد فورا دون أدنى تردد: إحنا شعوب مينفعش معاها إلا الكرباج ، إحنا فراعنة.
تلك جملة دارجة جدا على لسان الدولجية وحزب الكنبة، تعكس إيمانهم العميق بضرورة أن يحكموا من قبل الديكتاتور العادل الذي يملك وحده القدرة على سك المواطن على قفاه حتى يحافظ على كيان الدولة وسلامة أراضيها. هذا النوع من المواطنين لديه من سعة الصدر والقدرة على التبرير ما يسمح له بتقبل السك على القفا أو تبريره للغير. وعلى المواطن الصالح أن يحمي قفاه من السك حتى يستطيع أن يصل لحالة السلام النفسي والإنشكاح الذي يجعله دائما مستمتعا بالأنشودة الخالدة " يا حلو يا قفايا ياللي عمرك ما اتسكيت. "
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.