سرّ الثالوث الخالد

ولأُخفّض ضرر أي تلف جانبيّ قد يُسببه الدواء .. أبدأ رحلتي مع كلّ قطرة منه تجري في الوريد .. أرافقها في خيالي إلى الخلل المصاب كي نداويها معاً .. هذه الخلايا المريضة التي تُسمى "أوراماً سرطانية" .. هي جزء مني .. هي خلاياي وإن كانت مُصابة .. هي جزء من جسدي .. يؤلمني معاناتها بعد أن أصبحت مُشوّهة بسبب خلل ما في تركيبتها .. تماماً كأم تحزن على طفلها المُعاق ..

عربي بوست
تم النشر: 2015/09/28 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/09/28 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش

يختبر الدواء المُهْلك أولئك المتوعّكين .. وأنا منهم ..
أُصبتُ بخلل ما .. وكان عليّ أن أكتشف كيف ذلك الخلل يعمل ويُحدِث كلّ هذه اللبكة في جسدي دون أن أُحس .. وكيف عليّ أيضاً أن أتجاوز تلك الوعكة وآلام الدواء معاً ليس بالطريقة التي تنصّ عليها كُتب الروحانيات ولا كُتب الفلسفة ولا التأمل أو كُتب الطب .. كان عليّ أن أسافر بكامل وعيي في الخيال .. إلى مكان مُفترض أخترعه لحظة أفتح عينيّ جيداً كي "أرى" .. وأرتّب هناك كلّ شيء جميل رغبتُ به ..
وهنا تبدأ حكايتي .. "أرى" بيتي الصغير المبني من حجر عتيق وشبابيك واسعة ملونة تُطل من تلّ على وجه البحر ..
يكثر عندي الأخضر .. فهو الغابة التي تتنفّس وراء بستانيَ المليء بالليمون والورد واللوز والبرتقال .. غابة من أرز وشجر الغيم .. ينابيع تجري كالفوضى .. تعلو وتتشابك حين ينهمر المطر ..
ويتكاثف عندي الأرجواني والبرتقالي والبنفسجي .. فهو شجر "المجنونة" .. ألوان نارية تتفجّر في ورد جنونها المُتدلّي كوهج الوَجْد من شرفتي حتى شرفة القمر ..
طاولة من جذع الشجر وكرسي أصفر صغير من القش .. مُستلقيان تحت دالية يتلألأ منها خمر العنب كالنجمات .. فهو مكان مُشبع بزُرقة البحر ورائحة القهوة في المساء .. مكان مُحاط بقافلة من مشاعل على أطراف الطريق .. وكثير من الشمع ينعف ألوان لهيبه المتسرّبة من زجاج القناديل الملوّن والذي ينثر ضوءه على جدران البيت ..
حلم ما كهذه الحكاية .. حين "أراه" في وعيي المُسمّى "اللا وعي" يُعينُني على أن لا أشعر بشدة الألم الذي يُسبّبه الدواء .. ويجعلني أُدرك كم باستطاعتي أن أقوى على وَعكتي .. بدلاً من أن أضعف ..
ولأُخفّض ضرر أي تلف جانبيّ قد يُسببه الدواء .. أبدأ رحلتي مع كلّ قطرة منه تجري في الوريد .. أرافقها في خيالي إلى الخلل المصاب كي نداويها معاً ..
هذه الخلايا المريضة التي تُسمى "أوراماً سرطانية" .. هي جزء مني .. هي خلاياي وإن كانت مُصابة .. هي جزء من جسدي .. يؤلمني معاناتها بعد أن أصبحت مُشوّهة بسبب خلل ما في تركيبتها .. تماماً كأم تحزن على طفلها المُعاق ..
أجتهد دوماً كي أعيد تلك الخلايا المُصابة إلى مسارها الصحيح لأنقذها من هذا التشوّه .. لذلك أعود في خيالي الواعي مراراً إلى بيتي الصغير المبني من حجر عتيق وشبابيك واسعة ملوّنة تُطل من تلّ على وجه البحر .. لتمتدّ الحكاية كشريط سينمائي جميل لا يتوقّف..
وبومضة كالبرق .. أنهض وأنا هناك .. أسير نحو حزمة سنابل .. صنعتها ليَ الشمس تاجاً قبل أن تنهض من البحر .. تُتوّجني عند الساعات الأولى لولادة الفجر .. لأنّي الآن .. أُدرك سرّ "الضوء واللون والابتسامة" .. "الضوء" هو القُدرة على أن نحلم الحياة .. و"اللون" هو عبثية الجنون المُستباح .. و"الابتسامة" هي احتفال بالانعتاق ..
هذا هو سرّي: "الثالوث الخالد" ..
إنّه سرّ كل مَن يصنع في خياله "حياة" ..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد