أثارت خطط أحد قادة الجماعات الإسلامية المسلحة السابقين في الجزائر لدخول حلبة السياسة المخاوف من عدم الاستقرار في الجزائر بعد أكثر من عقدين من إحباط الجيش نصرا متوقعا في الانتخابات لحلفائه لتهوي البلاد في ويلات حرب طاحنة.
المناقشات التي تدور بشأن المطامح الجديدة لمدني مزراق الذي قضى سنوات التسعينات في الجبال يقاتل الجيش قبل أن يسلم سلاحه في اتفاق على هدنة تلقي الضوء على دور الأحزاب الإسلامية في شمال أفريقيا بعد ثورات الربيع العربي.
وما زالت ذكريات الحرب الضارية في تسعينات القرن الماضي التي قتل فيها قرابة 200 ألف شخص تخيم بظلالها على الجزائر التي يشاهد مواطنوها الاضطرابات تعصف بجيرانهم ليبيا ومصر وتونس في أعقاب صعود تيارات إسلامية متشددة خلال الربيع العربي.
مخاوف مبالغ فيها
يقول مزراق إن المخاوف من أن يعود حزب سياسي إسلامي جديد بالجزائر إلى السنوات الدامية للحرب الأهلية مبالغ فيها وينفي أي تعاطف مع الجهاديين المتشددين ويعلن احترامه للدولة.
وقال الرجل الملتحي في مقابلة في منزله في ضواحي العاصمة الجزائر وهو يرتدي الزي التقليدي (البرنس) "نحن لا نريد العودة إلى الماضي فسنوات التسعينات أصبحت من التاريخ ولكننا تعلمنا دروسا كثيرة."
واضاف قوله "نريد طي الصفحة ولكننا لا نريد شرخها."
وفي الجزائر حيث يهيمن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم على النظام السياسي منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1962 ما زال دور الإسلام السياسي موضوعا يتسم بالحساسية.
وتمر قيادة البلاد بوقت عصيب إذ أن الرئيس المسن عبد العزيز بوتفليقة لا يكاد يرى منذ أصيب بجلطة دماغية عام 2013 وحتى بعد إعادة انتخابه في عام 2014 لولاية رابعة بعد أن قضى 15 عاما في منصبه.
وأجبر انهيار أسعار النفط الحكومة على البحث عن سبل للتعويض عما فقدته من عائدات تصدير الخام ولخفض الإنفاق وهو ما شجع المعارضة على السعي للحصول على امتيازات. ويري بعض المنتقدين أن إعلان مزراق يساعد على حشد التأييد للحكومة باستحضاره أشباح الماضي.
حملة جديدة
الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية التي بدأت في تونس عام 2010 وانتشرت في أنحاء العالم العربي العام التالي رفعت الأحزاب الإسلامية التي طالما تعرضت للقمع إلى سدة السلطة في كثير من أنحاء شمال أفريقيا.
غير أن الإخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والبناء في ليبيا والنهضة في تونس أطيح بها جميعا أو منيت بالهزيمة أو اضطرت أمام موجات جديدة من الاحتجاج إلى المهادنة مع منافسيها العلمانيين.
كان مزراق في وقت من الأوقات يقود الجيش الإسلامي للإنقاذ الجناح المسلح للجبهة الإسلامية للإنقاذ وهو الحزب الذي كان يبدو أنه مقبل على تحقيق الفوز في الانتخابات عام 1992 قبل أن يتدخل الجيش ليلغي الانتخابات ولتهوي الجزائر في غمار عقود من الحرب مع المتشددين المسلحين الذين أعلنوا الجهاد لمكافحة الدولة.
الأيام السوداء
وفي مقابل العفو في أواخر التسعينات تفاوض مزراق على استسلام قواته ليضع نهاية جزئية لصراع شهد مذابح في المناطق الريفية وإعدامات وتفجيرات في المناطق الحضرية فيما يعتبره معظم الجزائريين "الأيام السوداء".
ويقترح مزراق الآن إنشاء حزب سياسي على أساس مبادئ الجبهة الإسلامية للإنقاذ لكنه مستعد للعمل في إطار النظام السياسي للدولة لا في مواجهته.
ولا يزال الوقت مبكرا ولم تسجل رسميا بعد الحركة الإسلامية الجديدة لمزراق. بل وقد لا تصل إلى هذا الحد في بلد معظم مقاتلي الأحزاب الإسلامية السابقين محظور عليهم الاشتغال بالسياسة بموجب شروط المصالحة الوطنية.
وقال رئيس الوزراء عبد المالك سلال للبرلمان هذا الشهر "لن نسمح لأحد تورط في المأساة الوطنية بإنشاء حزب سياسي وسنطبق القانون بكل قوة."
وأضاف قوله "البعض استفاد من المصالحة الوطنية لكنهم لا يريدون الوفاء بالتزاماتهم."
مشروع طويل الأمد
كان الرئيس بوتفليقة عرض عند انتخابه عام 1999 العفو على المسلحين الذين ألقوا سلاحهم بشرط ألا يكونوا تورطوا في المذابح والتفجيرات في الأماكن العامة.
ومع أن الجيش الإسلامي للإنقاذ نزل من الجبال وعمل مع الدولة لإقناع الآخرين بإلقاء أسلحتهم فإن متشددين أكثر تطرفا استمروا في القتال.
واستبعد معظم المقاتلين الإسلاميين السابقين وأعضاء الجيش الإسلامي للإنقاذ منذ ذلك الحين من الحياة السياسية لكنهم يستأنفون في بعض الأحيان نشاطهم وفي أغلب الأحيان من المنفى في الخارج في أوروبا لتفادي الدولة الجزائرية.
وكان مزراق جزءا من حركة إسلامية واسعة ظهرت بعد الأزمة الاقتصادية التي أجبرت السلطات الجزائرية على السماح بأحزاب معارضة محدودة إلى جانب حكم الحزب الواحد وفتح وسائل الإعلام أواخر الثمانينات لتخفيف الضغوط الشعبية.
وقال مزراق إن انخراطه الجديد في الساحة السياسية يتصل بالمبادئ أكثر من ارتباطه بمن يتولى السلطة.
وقال "القضية ليست في الوصول إلى هرم السلطة بل القضية تتعلق بإقناع الناس فيما تريد أن تحققه فنحن نتحدث عن مشروع طويل الأمد."
وكانت هذه المشروعات قد دفعت إلى احتجاجات من جانب عائلات ضحايا عنف الجماعات الاسلامية المتشددة في المناطق الريفية الأشد تضررا خلال الحرب. وهدد بعض الضحايا بالقيام بمسيرة إلى العاصمة لمقاومة أي بعث للإسلام السياسي.
وفي نظام سياسي يقول المراقبون إنه لا تزال تهيمن عليه نخبة جبهة التحرير الوطني يقول المنتقدون إن أحزاب المعارضة غالبا ما تكون ضعيفة أو حتى متعاونة أو متحالفة في هدوء مع الحكومة.
شخصية وطنية
وكان مزراق نفسه دعي إلى قصر الرئاسة بوصفه "شخصية وطنية" العام الماضي للمشاركة في مناقشات مع كبار مستشاري بوتفليقة بشأن الإصلاح الدستوري.
وقال محمد مولودي الخبير الجزائري بالإسلام السياسي إن مزراق وغيره من القيادات الإسلامية ما زالوا يعتقدون أنهم يمثلون الكثير من الجزائريين ويستحقون التقدير السياسي.
وقال "الإسلام السياسي لن يتخلى عن حقه في العودة سياسيا في الجزائر. وحينما تضعف الدولة كما هو الحال الآن مع هبوط أسعار النفط والتهديدات الأمنية على الحدود فإنهم لا يترددون في إثارة الصخب."
ولا يكشف مزراق عن تفاصيل الأجندة السياسية لحزبه ويتحدث عن مقترحات اقتصادية والديمقراطية ويقول إنه يحترم الدولة لكنه يلمح إلى استراتيجية طويلة الأمد بنقل قضيته إلى القضاء إذا اقتضت الضرورة.
ويقول "عاجلا أم آجلا سنشكل حزبا سياسيا عاجلا أم آجلا الحكومة لن يكن لها خيار إلا التعامل معنا."