كان الحب هو السبب الذي دفع السوري نزار شكري للانتقال من بلده إلى كرواتيا وفي نهاية المطاف أصبح طبيباً للأسنان في بلدة توفارنيك الحدودية.
وبعد 30 عاماً تجبر الحرب أبناء بلده على التوافد بأعداد كبيرة في مشهد فوضوي يسوده اليأس ليمروا من أمام منزله في طريقهم إلى ألمانيا على أمل الحصول على حق اللجوء.
لكن طبيب الأسنان البالغ من العمر 50 عاما- والذي أصبح ضابط اتصال غير رسمي بين الشرطة واللاجئين – يقول إن هناك محتالين بين الوافدين الجدد.
وقال باللغة الكرواتية "أرى كثيرين من أفريقيا وأفغانستان وباكستان يقولون إنهم أتوا من سوريا ولا يتحدث كثيرون منهم اللغة العربية على الإطلاق."
وأضاف "يسوءني أن كثيرين يستغلون مصيبة الشعب السوري للحصول على موطئ قدم في غرب أوروبا."
ويذكي هذا الاتهام التوتر وفي بعض الأحيان العنف بين المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئ أوروبا ويسيرون في حقول الذرة عبر حدود البلقان.
350 ألفاً إلى اليونان
ووصل 350 األفاً بالقوارب من تركيا إلى اليونان هذا العام قبل أن يتوجهوا شمالاً إلى يوغوسلافيا السابقة وتم تسجيل نصفهم على أنهم سوريون فروا من الحرب الدائرة منذ أكثر من أ4 سنوات والتي أجبرت 4 ملايين على مغادرة البلاد وشردت 11 مليوناً داخل سوريا.
وباعتبارهم لاجئين فروا من صراع مسلح يعرف السوريون أن بوسعهم توقع الحصول على حق اللجوء في غرب أوروبا بعد أن قالت األمانيا إنها ستقبلهم دون النظر لقواعد الاتحاد الأوروبي التي تنص على تسجيل اللاجئ في أول بلد يصله من بلدان الاتحاد وبقائه فيه.
لكن سوريين كثر يشعرون أن مواطنين من أفغانستان وباكستان وبنجلادش وغيرها يعطلونهم ويستولون على أماكنهم ويهددون فرصهم في الوصول لألمانيا قبل أن تغلق أبوابها في وجوههم.
"أبلغونا أن الأولوية لنا"..
واشتعل التوتر في توفارنيك وبيلي ماناستير القريبة وهي نقطة أخرى لتجمع اللاجئين الذين يتدفقون إلى كرواتيا من صربيا منذ الأسبوع الماضي بعدما أغلقت المجر الطريق الرئيسي إلى الاتحاد الأوروبي من حدودها الجنوبية بإقامة سياج معدني وباللجوء لقنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه.
ويوم الجمعة تشاجرت مجموعات من السوريين والأفغان بالحجارة والزجاجات بسبب خلاف حول الأحقية في ركوب قطار من بيلي ماناستير. وهناك في هذه المدينة كما في توفارنيك ركضت أعداد كبيرة من المهاجرين وتدافعوا ليستقلوا حافلات وقطارات فأخذوا يقذفون أنفسهم وأمتعتهم من نوافذ القطار. ويوم الأحد كاد أن يندلع اشتباك بين عرب وأفغان بسبب أغطية جلبها موظفو إغاثة.
وقالت عايدة (28 عاماً) التي جاءت من درعا في جنوب غرب سوريا "هذا ظلم" بعدما منعها التدافع من ركوب قطار في توفارنيك لتضيع فرصتها الأخيرة للفرار بعدما أمضت الليالي السابقة في العراء دون الحصول على قدر يذكر من الطعام والشراب.
وأضافت "أبلغونا نحن (السوريين) أن الأولوية لنا. يستغلون هذه الفرصة التي تقدمها أوروبا لمواطنينا لتحقيق مكاسب على حسابنا وكل ما نريده هو الفرار من الحرب وبناء مستقبلنا في مكان آخر نشعر فيه بالتقدير."
ويقول الاتحاد الأوروبي إن كثيرين بين المهاجرين فرصهم محدودة في الحصول على حق اللجوء وبينهم من فروا من الفقر في أفريقيا وباكستان وبنجلادش.
وسيستند الكثير من الأفغان والعراقيين في مطالبتهم باللجوء إلى المخاطر التي يواجهونها في الداخل من جماعات متشددة مثل طالبان أو الدولة الإسلامية. لكن السوريين يقولون إنهم الأحق وفي عدة مراحل خلال رحلتهم عبر منطقة البلقان منحتهم الشرطة أولوية المرور.
ويتخلص اللاجئون من أوراق هويتهم في الطريق وترجح روايات بعض المهاجرين أن البعض يحاولون إخفاء الهوية الحقيقية بادعاء فرارهم من سوريا على أمل السماح لهم بالمرور بسرعة.
وقال شكري طبيب الأسنان في توفارنيك "أعتقد أن كثيرين يأتون من كوسوفو وألبانيا." ويشكل أبناء كوسوفو وألبانيا نسبة كبيرة من طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي رغم تحقيق السلام في كوسوفو قبل 16 عاماً منذ الحرب التي دارت بها وإرساء الديمقراطية في ألبانيا الشيوعية السابقة.
تحامل
وقال أحمد 23 عاماً الذي ذكر أنه حاصل على شهادة في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة دمشق "كثيرون هنا يدعون أنهم سوريون ويساورني القلق بشأن ما إذا كنا سننجح في الوصول. عائلتي ليست ثرية. منحتني أمي كل مدخراتها لترسلني في هذه الرحلة الخطرة. أتمنى أن أنجح."
وغذت الظروف السيئة والإرهاق في هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر الغضب والشك والخوف بين العائلات والأصدقاء من التفرق في ظل الفوضى والتهافت على وسائل النقل.
وكثيرون من السوريين الذين تحدث معهم صحفيون من رويترز شبان صغار أو موظفون أو طلاب من مدن كدمشق وحلب وهم في معظم الحالات يبدون أكثر تمدناً وفي وضع مادي أفضل من المهاجرين القادمين من أفريقيا أو آسيا الأمر الذي يزيد من مشاعر التحامل والاستياء.
وقال أنور وهو رجل في الـ 49 من حلب عن الأفغان "إنهم أشرار.. يسرقوننا وهم فقراء. نحن راقون ومتعلمون. هم يأتون من بلد متخلف."
واتهم رحيم شاه (35 عاماً) وهو من العاصمة الأفغانية كابول السوريين وغيرهم من العرب بالتعالي.
وقال شاه متحدثاً باللغة الإنجليزية "لا يمكنهم معاملتنا كأطفال صغار.. نحن شعب ذكي.. لسنا أغناماً. درست العلوم التكنولوجية في كابول وكنت أعمل في شركة أمريكية وكنت أغني أثناء حكم طالبان حين كان الغناء محظوراً."
وقال آخر من كابول واسمه محبوب فقيري وعمره 32 عاماً إنه يخشى حرمان الأفغان من هذه الفرصة.
وأضاف "لم نعد في أمان بأفغانستان."
وتابع "يجب أن نحصل على فرصة. أفهم أن لكل بلد قواعده التي يجب أن نحترمها لكني الآن أشعر بالقلق من األا تقبلنا األمانيا.. لا أحد يهتم لأمرنا على ما يبدو.