يمثل تعزيز الوجود العسكري الروسي في سوريا بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين ورقة دبلوماسية محتملة وطريقة عملية لتحويل الأنظار بعيدا عن الصراع المجمد في أوكرانيا. لكنه يمثل أيضا إدراكا مشوبا بالذعر بأن الحكومة السورية تواجه انتكاسات في ميادين القتال بشكل يقيد يد الكرملين.
وقال دبلوماسيون ومحللون أنه عندما رأى الكرملين خلال الأشهر الماضية تراجع قوات الحكومة السورية على عدة جبهات بوتيرة تهدد الرئيس بشار الأسد -أقرب حلفاء موسكو في الشرق الأوسط- قرر بهدوء إرسال المزيد من الرجال والعتاد والمدرعات.
وقال إيفان كونوفالوف مدير مركز دراسات الاتجاهات الاستراتيجية في موسكو "كان الموقف على الجبهة خطيرا جدا إن لم يكن حرجا.. المساعدة العسكرية كانت مطلوبة على نطاق واسع.. وروسيا استجابت."
انتكاسات الحكومة
واتفق دبلوماسيان يتابعان الوضع في سوريا عن كثب مع كونوفالوف وقالا إن الكرملين تابع بانزعاج متزايد انتكاسات الحكومة في مواجهة الجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال أحد الدبلوماسيين "الروس يسعون للحد من الضرر."
وقال أندرو فايس وهو خبير في شؤون روسيا عمل لدى اثنتين من الإدارات الأمريكية إن الكرملين يخشي "أن يكون النظام (السوري) أصبح في وضع صعب."
وترى روسيا في الأسد -الذي دعمه بوتين طوال فترة الصراع المستمر منذ ما يزيد على أربع سنوات وأودى بحياة أكثر من ربع مليون شخص- حليفا وثيقا للكرملين وحائط صد في مواجهة التطرف الإسلامي.
عودة الجهاديين يثير قلق بوتين
وفي حالة إسقاط الأسد تخشى موسكو من أن ذلك قد يؤدي إلى عودة كثيرين من مقاتلي التنظيمات المتشددة -الذي توافد آلاف منهم من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق على سوريا- مما يثير الاضطرابات في جنوب روسيا بمنطقة القوقاز التي تقطنها أغلبية من المسلمين.
وكتب المعلق أوليج أودنوكولينكو في صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا" هذا الأسبوع "ربما يرى المجتمع الدولي في الأسد أسوأ شخص في العالم. لكن مادامت قواته تتصدى لتنظيم الدولة الإسلامية.. فإنه سيضمن الحصول على دعم روسيا العسكري."
وقال مصدر أمني غربي طلب عدم نشر اسمه إن موسكو تؤكد بكل وضوح أنها لن تسمح بسقوط الأسد.
وأضاف "الروس يبعثون برسالة مفادها أن الأسد سيبقى في السلطة في الوقت الراهن."
تعزيز الوجود العسكري
هذا الوضع أحدث خلافا بين موسكو والولايات المتحدة التي تقود تحالفا يشن حملة جوية على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق منذ العام الماضي بينما تؤكد واشنطن في الوقت نفسه أن وجود الأسد يزيد الموقف سوءا. ويدعم حلفاء واشنطن فصائل مسلحة تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية وقوات الأسد في نفس الوقت.
وتحدث وزيرا الدفاع الأمريكي والروسي الجمعة 18 سبتمبر/أيلول للمرة الأولى منذ أكثر من عام حيث ناقشا الأزمة في سوريا بينما تسبب تعزيز روسيا لوجودها العسكري في سوريا في زيادة احتمالات حدوث مواجهة في الميدان بين غريمي الحرب الباردة السابقين.
وكل يوم تزداد الأدلة على اندفاع الكرملين في هذا الطريق حيث يرصد المسؤولون الأمريكيون دبابات وقطع مدفعية وطائرات هليكوبتر فضلا عن تسليم شحنات عتاد عسكري أكبر حجما وبوتيرة أسرع.
لكن سيكون على بوتين الذي لا يزال يتمتع بشعبية داخل روسيا رغم أزمة اقتصادية تزداد عمقا أن يتحسس خطواته في سوريا. وتظهر استطلاعات للرأي أن الروس سئموا من أنباء الصراع في أوكرانيا ولا يريدون على الأرجح رؤية تدخل كبير في الشرق الأوسط.
وأدى تعزيز الوجود العسكري في سوريا -الذي لم ينجم عنه حتى الآن سقوط ضحايا روس- إلى نوع من التململ في صفوف الناخبين الذين يركزون أكثر على ضعف العملة الوطنية (الروبل) وارتفاع الأسعار. كما لا توجد مؤشرات على أن الجيش الروسي يعاني ضغوطا بسبب اتساع نطاق انتشاره.
أهمية سوريا الاستراتيجية
وبالنسبة لموسكو فإن لسوريا أهمية استراتيجية هائلة.
فقاعدتها البحرية في طرطوس هي المنفذ الوحيد للروس على البحر المتوسط وتمثل حمايتها هدفا استراتيجيا. وعرفت حكومة الأسد لعقود كأحد أفضل مشتري السلاح الروسي ووجودها العسكري هناك يعزز نفوذها في المنطقة.
ومن ثم إذا سقط الأسد فإن هذا النفوذ سيتلاشى بين عشية وضحاها وستهتز سلطة بوتين على الصعيد الدولي أكثر خاصة مع اهتزازها أصلا بسبب تصرف بلاده في أزمة أوكرانيا.
وقال أحد الدبلوماسيين "يخشى الروس أيضا أن يؤدي غيابهم عن المشهد في سوريا وسقوط النظام إلى إخراجهم من محاولات الحل."
وقلل الكرملين من أهمية تعزيز الوجود العسكري في سوريا وقال إنها فقط تفي بسياسة قائمة منذ فترة طويلة لإمداد الأسد بالأسلحة والمستشارين لمساعدته على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وتنفي روسيا تقارير بأن قواتها تشارك في عمليات قتالية إلى جانب القوات السورية لكنها قالت إنها ستدرس أي طلب إذا تلقته.
خطة بديلة
ويبدو أن مطارا قريبا من معقل الأسد في اللاذقية يمثل جوهر خطط الكرملين.
ووفقا للبيت الأبيض فإن الروس وسعوا في الفترة الأخيرة مدارج المطار وأحضروا نظما جديدة للملاحة الجوية ومكونات لأنظمة دفاع جوي.
وأثارت الدفاعات الجوية بصفة خاصة الدهشة في الولايات المتحدة إذ لا يملك تنظيم الدولة الإسلامية ولا غيره من الفصائل الأخرى طائرات وبالتالي فإن العدو المحتمل الوحيد الذي يملك طائرات تحلق في أجواء المنطقة ليس سوى واشنطن وحلفائها.
وقد يتحول المطار وقت الحاجة إلى قاعدة عسكرية مكتملة التجهيز وهو شيء لم يستبعده قادة الجيش الروسي. ويقول مسؤولون أمريكيون إن المطار في مرحلة ما استقبل طائرتي شحن عسكريتين. وتستخدم الطائرات المجال الجوي لكل من إيران والعراق للوصول إلى سوريا.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن روسيا أرسلت دبابات وقطع مدفعية ومعدات أخرى لتعزيز المطار بالإضافة لنحو مئتين من مشاة البحرية.
وتعود صلات روسيا الوثيقة بالحكومة السورية للحقبة السوفيتية حينما اعتمدت على الرئيس الراحل حافظ الأسد -والد بشار- كأحد أهم حلفائها. وحتى قبل تلك الدفعة الأخيرة من التعزيزات كان لروسيا مجموعات من المستشارين العسكريين والمدربين على الأراضي السورية.
ويقول محللون إن من المعتقد الآن ان الروس ينتشرون في ستة مواقع مختلفة بما في ذلك دمشق.
وهناك مؤشرات على أن زيادة الدعم العسكري الروسي بدأ يؤتي ثماره.
البقاء في دمشق
وقال مصدر عسكري سوري يوم الخميس إن الجيش السوري بدأ مؤخرا في استخدام أنواع جديدة من الأسلحة الجوية والبرية التي قدمتها روسيا. كما وردت تقارير غير مؤكدة عن قصف سلاح الجو السوري لأهداف بشكل أعنف وأكثر دقة.
ويقول مراقبون متابعون للأزمة السورية إن خطة موسكو تقوم على مساعدة القوات الموالية للأسد على التماسك واستعادة الأراضي التي خسرتها وتعزيز معقل أنصاره من الطائفة العلوية بحيث إذا طرد من دمشق تستطيع روسيا مساعدته على الصمود هناك.
وقال ديمتري ترينين وهو كولونيل سابق بالجيش الروسي ومدير مركز كارنيجي في موسكو "أعتقد أن خطة موسكو الأساسية هي مساعدة بشار على البقاء في دمشق."
"(أما) الخطة البديلة فإنها ستنفذ إذا سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على دمشق واضطر الأسد للجوء إلى اللاذقية. عندئذ سيساعده الروس هناك. سيركزون على شكل سوريا في المستقبل."