انتهت أخيرا الانتخابات المحلية والجهوية في المغرب، فبعد انتخاب المغاربة أعضاء ممثلين لمناطقهم، اختار هؤلاء الأعضاء رؤساء المجالس البلدية والجهوية، في الانتخابات التي اكتسبت أهمية كبرى، حيث تعد الأولى بعد التعديل الدستوري الذي شهده المغرب 2011، والذي أعطى للجهات صلاحيات أكبر.
المغرب أقر بموجب ذلك التعديل الدستوري نظام "الجهوية الموسعة"، وهو شكل إداري جديد يعطي للجهات (المحافظات) تحررا أكبر عن مركز القرار بالعاصمة الرباط، إذ منحت لرؤساء الجهات ومكاتبهم صلاحيات أوسع في مقدمتها تدبير الميزانيات، من دون تدخل لأطراف أخرى.
التعديل الدستوري لـ 2011، والذي حمل تغييرات كثيرة فرضها الحراك الذي شهده الشارع المغربي آنذاك، دعا إلى إيلاء أهمية قصوى لفكرة الجهوية الموسعة، حين أوضح في الفصل الأول منه أن "التنظيم الترابي للمغرب تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة".
مهام موسعة لرؤساء الجهات
القانون الجديد الذي يتبني الجهوية الموسعة، يحث على نقل كل الاختصاصات التنفيذية لمجلس الجهة، حيث كان الأمر في السابق يعود إلى مسؤولين غير منتخبين، يمثلون الملك في الجهات والأقاليم، وأصبح رئيس الجهة هو المؤهل الأول لتنفيذ قرارات المجلس، كما أنه هو الذي يمثله أمام القضاء.
تمثيل الجهة بشكل قانوني من قبل رئيسها، أمر سيمكنه مستقبلا من رفع الدعاوى والتحدث باسمها، كما سيقوم على إثر ذلك بالتكلف بكل أعمال الكراء والبيع والشراء وإبرام الصفقات وتقديم الخدمات المتعلقة بمنشآتها وممتلكاتها.
وبالإضافة إلى ذلك، سيتولى الرؤساء الجدد للجهات الــ 12 بالمغرب، والذين فازوا في الانتخابات الجهوية الجمعة 4 سبتمبر/ أيلول 2015، تنزيل ما تم تسطيره من قرارات اقتصادية خاصة بجهاتهم، زيادة على اتخاذ القرارات الخاصة بفرض الرسوم والأتاوى على الساكنة، وستنشر كل قراراتهم المتعلقة بالتدبير في الجريدة الرسمية، وهي التي تختص بنشر كل الإعلانات الرسمية والقوانين والقرارات الحكومية بالمملكة.
الاختصاصات الجديدة للجهات
إلى جانب الصلاحيات الممنوحة لرئيسها، حظيت الجهات (المحافظات) باختصاصات جديدة تدعو في مضمونها إلى مبدأ "التدبير الحر"، ويتحقق هذا بتولي رئيس الجهة مهمة تدبير الميزانية المحلية المرصودة بنفسه، كما ينص على ذلك الفصل 136 من الدستور المغربي.
وهو الفصل نفسه الذي يشجع الجهة على ممارسة اختصاصاتها المتعلقة بالشق المادي بنفسها، دون إغفال التنصيص على حق الدولة في المراقبة البعدية، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.
النصوص القانونية الجديدة أعطت نوع من "الحرية المالية" للإدارة المحلية في ممارسة اختصاصاتها، وجعلتها تتمتع بحرية التصرف في الموارد المتاحة لها قانونيا.
سواء منها الموارد الممكن تحصيلها من الضرائب والجبايات، أو الموارد المرصودة لها من طرف الدولة، أي الميزانيات المرصودة لكل جهة، أو تلك التي يمكن تحصيلها عبر القروض أو عبر شراكات التعاون، إن كان على المستوى الوطني أو الدولي، لكن في إطار ما يسمح لها به القانون.
المجلس الجهوي أنيط به أيضا دور استشاري واقتراحي بخصوص المخططات والمشاريع الكبرى المزمع القيام بها من طرف الحكومة على أرض الجهة، كما سيقوم بإعداد وإنجاز خطط العمل الخاصة بمجالات الاستثمارات والتشغيل وقطاعات الماء والطاقة والبيئة والتربية والتكوين والثقافة والصحة.
آليات تمويلية
بعد تشخيص قامت به اللجنة الاستشارية لوضعية كل الجهات المغربية على المستوى الاقتصادي، ظهرت بينها تفاوتات في التنمية والموارد، مما دعا لتأسيس صندوق خاص بالتأهيل الاجتماعي لهذه الجهات، الغرض منه القضاء على مظاهر التفاوت في الجوانب المرتبطة خاصة بالتنمية البشرية.
وقد خصص المغرب، في إطار المشروع الجديد المتعلق بالجهوية، مبلغا ماليا مهما يتراوح ما بين 128 و215 مليار درهم مغربي (أكثر من مليار دولار)، حسب ما جاء في تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية، والذي رفع سابقا للملك محمد السادس من أجل الاطلاع عليه، ويُطمح من خلاله الارتقاء بالجهات في قطاعات الصحة والتربية وشبكة الطرق وغيرها من القطاعات المهمة.