من المعتاد أن تشاهد تلك اللوحة عند شرائك لبطاقات مترو الأنفاق في مصر "نصف تذكرة لأعضاء الهيئات القضائية والصحفيين والشرطة والقوات المسلحة"، جملة عابرة تمر على الكثير من المصريين تعبر عن استثناء فئات داخل المجتمع المصري عن فئات أخري في نفس الخدمة ودون مبرر.
نشر في عدد من وسائل الإعلام المصرية خلال الأيام الماضية تقارير حول استثناء "أولاد الكبار"، كما يعرفون في مصر من قواعد التحويل الإداري بين الجامعات.
وبالرغم من تدخل وزير الوزراء المستقيل المهندس إبراهيم محلب لوقف العمل بذلك الاستثناء، إلا أن الأمر أعاد من جديد الحديث عن الاستثناءات الغير منطقية في مصر، والتي أصبحت اعتيادية بحكم بعض القوانين والقرارات والأعراف المصرية.
"عربي بوست"، تحدثت إلى عدد من الصحفيين والحقوققين الذين تحدثوا عن ظاهرة الاستثناءات فى القوانين والإلتزامات والخدمات والفئات التي تتمتع بها فى مصر.
الاستثناءات في ملف التعليم
عبد الرحمن عبادي الصحفي المتخصص في شئون التعليم بجريدة "الأهرام المسائي" يقول: "الاستثناءات في ملف التعليم في مصر لا تشمل فقط التحويلات بين الجامعات، تلك القضية التي انتشرت في وسائل الإعلام خلال الفترة السابقة، ولكن هناك عدد آخر من الاستثناءات".
مضيفا أن من بين تلك الاستثناءات "الحصول على الحافز الرياضي لأبناء بعض المسؤولين بمنحهم بطولات وهمية تضيف لهم بعض الدرجات فى المجموع الكلي، رغم أن بعض هذه البطولات لا يوجد في المدارس المصرية، مثل القفز بالمظلات، والغطس والإنقاذ".
عبادي، أشار كذلك إلى الاستثناءات في تعيين المدرسين بالجامعات، قائلا: "هناك حالات كثيرة يتم تعيين الثالث علي الدفعة كمعيد، وتفادي تعيين الأول والثاني دون سبب، فقط بالاستثناء".
وعن "تحويلات أبناء الكبار" يفسر عبادي تلك الأزمة بقوله: "مبدأ التنسيق (طريقة الالتحاق بالجامعات في مصر) الغرض منه تحقيق العدالة بين الطلاب علي أساس المجموع والتوزيع الجغرافي بحسب كل محافظة، بحيث يتمكن الطالب من الالتحاق بالجامعات القريبة من مقر إقامته، إلا أن البعض يرغب في الالتحاق بكليات جامعات العاصمة "القاهرة أو عين شمس" لشهرتها عن كليات الأقاليم".
الصحفي في الأهرام المصرية، أشار إلى وجود نظام سابق للقبول بالجامعات المصرية يستثني أبناء ضباط الجيش والشرطة من شرط المجموع في الالتحاق ببعض الكليات، وتم إلغاءه في ثمانيات القرن الماضي –بحسب عبادي.
مضيفا أنه ظهر عقب ذلك ما يعرف بالتحويل الإداري والذي يعطي الحق في التحويل الإداري لأي طالب من أي جامعة في حالة انتقال عائلته للعمل في محافظة أخري".
ويقول عبادي إن "قرارات التحويل ليست عيبا ولا فسادا، ولكن الالتفاف عليها هي الأزمة الحقيقة، حيث اقتصرت في الـ3 سنوات السابقة علي أبناء العاملين في الجهات السيادية فقط مثل الجيش والشرطة، وكان يتم نقل الطلاب دون انتقال حقيقي لعائلتهم".
مضيفا أن "الجديد في الأمر الآن ما عرف بـ"التفويض لأسباب قومية"، بحيث لا توجد معايير للتحويل الذي صار يتم فقط بإمضاء الوزير.
استثناءات القضاء
فئة القضاء في مصر من الجهات المدنية التي تحصل على كثير من الاستثناءات، فسن المعاش للقاضي يصل إلي 65 عاما، بزيادة 5 سنوات عن معظم العاملين في الدولة، ويضاف أساتذة الجامعات للقضاة في استثناء سن المعاش.
استثناءات القضاء لا تتوقف على سن المعاش فقط، فهم مازالوا يرفضون تطبيق الحد الأقصى للأجور عليهم، فيما ترفض بعض الجهات القضائية تقديم كشوف المرتبات للجهاز المركزي للمحاسبات.
بالإضافة إلي ذلك فهناك طرقا قانونية يتبعها القضاة لمنع تطبق الحد الأقصى، حيث أصدر مجلس الدولة – وهو جهة قضائية مختصة بنظر الشؤون الإدارية في مصر- في مارس/ آذار الماضي، فتوى قانونية تقتضي بعدم خضوع القضاة لقانون الحد الأقصى للأجور، وجواز حصولهم على أكثر من مبلغ الحد الأقصى "42 ألف جنيها شهرياً (5.5 آلاف دولارا).
وكانت الحكومة المصرية حددت الحد الأدنى للعاملين بالجهاز الإداري في الدولة بنحو 1200 جنيها (155 دولارا)، مع استثناء كل من شركات قطاع الأعمال والقطاع العام.
رفض القضاة للخضوع للحد الأقصى للأجور امتدت لبعض الجهات الأخرى كالعاملين في البنوك، حيث أصدرت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة حكما بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن فرض الحد الأقصى للأجور على العاملين ببنوك القاهرة، والتعمير والإسكان، والمصرف المتحد، والبنك المصري لتنمية الصادرات، أضيف إليها مؤخراً البنك الأهلي المصري.
التمييز بين القطاع العام والخاص
وحول الاستثناءات بين القطاعين العام (موظفي الحكومة) والخاص في مصر، فإن قوانين العمل المصرية توجد بها كثير من المفارقات.
هشام فؤاد، القيادي بالاشتراكيين الثوريين، عضو حملة نحو قانون عادل للعمل، يقول "إن الاستثناءات في مصر تنتشر بنص القانون، فعلي سبيل المثال لا الحصر، الفرق في قانون العمل بين موظفي القطاع العام والخاص يعد غير منطقيا".
مؤكدا أن موظفي الدولة ينطبق عليهم حاليا قانون الخدمة المدنية الجديد (18 لسنة 2015)، فيما يطبق على موظفي القطاع الخاص القانون (12 لسنة 2003)، والفارق بين القانونين كبير، والتمييز بين الموظفين فيهما يشمل الإجازات والضمان ضد الفصل من العمل".
فؤاد ضرب مثالا حول التناقضات بين العاملين في الدولة والقطاع الخاص، قائلا إنه "في عيد الفطر الماضي قررت ناهد عشري وزيرة القوي العاملة والهجرة منح موظفي القطاع الخاص يومين فقط في حين حصل موظفي القطاع العام على 4 أيام ".
مشيرا إلى أن الحد الأدنى للأجور يلزم تطبيقه على القطاع العام، في حين أنه غير ملزم للشركات والمؤسسات الخاصة، ما يضيع معه حق موظفي القطاع الخاص.
كما أضاف أن منظومة العمل في القطاع الحكومي نفسه بها أيضا كثير من الاستثناء والتمييز، قائلا "لعل قانون الخدمة المدنية الجديد خير شاهد علي ذلك التمييز بين العاملين في الحكومة أنفسهم".
قانون الخدمة المدنية
وقانون الخدمة المدنية الصادر في مارس /آذار الماضي بقرار من الرئيس عبدالفتاح السيسي، يعد أحد القوانين التي أثارت الجدل في مصر، حيث تظاهر رفضا له المئات من موظفي الدولة الذين اعتبروه انتقاصا لحقوقهم المالية.
وبالرغم من رفض بعض الجهات للقانون إلا أن الرئاسة أصدرت قرارا برقم ١٨٨ لسنة ٢٠١٥، باعتبار رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري على وظائف الإدارة العليا والتنفيذية بهما أحكام المادتين (١٩، ٢٠) من قانون الخدمة المدنية، والمتعلقتان بالتعيين في الوظائف ومدة العمل والتجديد.
طارق كعيب، رئيس النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية ومن رافضي القانون يقول "إن الاستثناءات في قانون الخدمة المدنية لا تتوقف عند موظفي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وفقط، ولكنها تتعدي ذلك لبعض الوزارات والهيئات".
وأشار إلى أن "المادة الأولي من قانون الخدمة المدينة الجديد والتي تشير إلي أن أحكامه تطبق على الوظائف في الوزارات ومصالحها والأجهزة الحكومية، ووحــــــدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة وذلك ما لم تنص قوانين أو قرارات إنشائها على ما يخالف ذلك" ما يعني – وفقا لكعيب- وجود استثناءات لبعض الهيئات باختلاف أنواعها ( المحاسبات المالية أو التعاملات الإدارية).
ويضيف كعيب إلى أن اللائحة التنفيذية للقانون ستحدد تلك الهيئات ونوع الاستثناء الخاص بها، والحكومة ما زالت تؤخر إصداره حرصا على عدم توسيع قاعدة الرافضين للقانون.
استثناءات القوات المسلحة
وحول ما تتمتع به المؤسسة العسكرية في مصر من استثناءات، يقول كعيب: "إنه من خلال عملي في الضرائب العقارية فإن مباني القوات المسلحة الربحية مثل الفنادق والنوادي، ومحطات الوقود، ومنافذ البيع والمزارع لا يتم تحصيل ضرائب عقارية منها، وهذا أمر غير منطقي لأنها تقوم على أنشطة ربحية".
وأشار إلي أنه في يونيو/حزيران الماضي، أصدر الفريق أول صدقي صبحي، القائد العام للقوات المسلحة، قرارا بإعفاء عدد من الدور والفنادق والنوادي والشقق والفيلات والساحات التابعة للقوات المسلحة من الضريبة العقارية.
شملت قائمة العقارات المعفاة 52 ناديا، و29 فندقا، و18 مصيفا، و8 دور سينما ومسرح، إلى جانب عدد من دور القوات المسلحة، والساحات وفروع السوبر ماركت والمجازر الآلية، إلى جانب العمارات والشقق والفيلات.
المحامي محمد الباقر، مدير مركز عدالة للحقوق والحريات والمهتم بالعلاقات المدنية العسكرية، يقول: "في مصر الاستثناء قانون ليس شرطا أن يكتب أو يصاغ فقط، هو تقليد وعرف يسري علي الجميع".
الباقر قال أيضا "إن المؤسسة العسكرية تتمتع كجهة سيادية بعدد من الاستثناءات، وعلي سبيل المثال، استثناء مشاريع ربحية غير عسكرية كالنوادي والفنادق من تحصيل الضرائب العقارية، هذا بالإضافة لوجود قوانين تمنح أنشطتها التجارية حق الإعفاء الضريبي.
ويشير الباقر إلي "حصول بعض إدارات القوات المسلحة علي مشاريع بالأمر المباشر"، كما اعتبر أن "زيادات معاشات العسكريين بشكل متكرر يعد استثناء".
يذكر أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصدر 4 قرارات بزيادة المعاشات للعسكريين.
استثناءات تشريعية وقانونية
وعن الاستثناءات التشريعية في مصر يقول الباقر "مصر بلا برلمان لمدة عامين والسلطة التشريعية في يد الرئيس فقط، وهو ما يعد استثناء في حد ذاته".
باقر اعتبر أن وجود نص دستوري لمحاكمة المدنين في مصر أمام محاكم عسكرية يعد استثناءً، وأشار إلى إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون رقم 136 لسنة 2014، بشأن حماية القوات المسلحة للمنشآت العامة لمدة سنتين، والذي بموجبه يحق للسلطة في مصر تحويل أي شخص يقبض عليه داخل منشاة عامة ( جامعة أو وزارة أو غيرهما) إلي القضاء العسكري.
ويشير إلي أن المحاكمات التي تجري للسياسيين في مصر تعد استثناء هي الأخرى، قائلا إن "معظم المحاكمات تفتقد لضوابط المحاكمات العادلة، حيث يدار عدد منها من مناطق شرطية مثل أكاديمية الشرطة ومعسكرات الأمن المركزي".
الاستثناء فقدان للثقة
الدكتور يسرى العزباوى، الباحث فى مركز الأهرام الاستراتيجي من جانبه يرى أن الاستثناءات بشكل عام لها مردود سيئ علي المواطنين، وتفقدهم الثقة في الحكومة وتثبت لهم أن كل ما قامت من أجله مظاهرات 25 يناير و30 يونيو لم ينتهي".
وقال إن "الاستحواذ من جانب فئات معينة علي المميزات مازال مستمر في مصر وبدل من وجود جماعة أو حزب يسيطر كما كان في حالة جماعة الإخوان المسلمين، والحزب الوطني، فهناك فئات تستحوذ على استثناءات كالقضاة وغيرهم".
الاستثناءات التي تحصل عليها الجهات السيادية في الضرائب والمعاملات المالية يقول عنها العزباوي: "المواطنون لا يهتمون كثيرا بمميزات الجهات السيادية وبخاصة الجيش، لأنهم يرون دائما أنه أمن قومي، ولكن ينزعج الكثير عندما يشاهدوا مميزات غير منطقية لفئات عاملة داخل مكان واحد، ومثال علي ذلك التفرقة في المعاملة بين العاملين في وزارة العدل والمستشارين العاملين في نفس الوزارة، الأمر الذي يعد غير منطقي ولا عقلاني".