في الوقت الذي يسعى فيه آلاف السوريين للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي للحصول على صفة لاجئ بها، يظل الكثير من فقراء سوريا غير قادرين على تحمل أعباء هذه الرحلة عبر البحر المتوسط أو تركيا.
رحلة اللاجئ السوري نحو أوروبا لا تقتصر على مخاطر غرق أسر كاملة في مياه البحر أو تعرض البعض للاعتقال فقط، ولكنها أيضاً تتطلب مبالغ مالية كبيرة قد لا تتسنى لكثير من السوريين الفقراء.
2800 دولار تكلفة اللاجئ الواحد
لاجئون ومهربون أكدوا لصحيفة الغارديان البريطانية أن تكلفة الفرد في الرحلة من تركيا إلى ألمانيا تبلغ 2800 دولاراً، مضافا إليها نفقات الطعام والمأوى.
التكلفة الباهظة لرحلة اللاجئين من سوريا والعراق ومناطق النزاع الأخرى تعني أن فرصة الوصول إلى بلد أكثر غنىً في الاتحاد الأوروبي، للعيش في حياة أفضل، هو أمر متاحٌ فقط لمن كانوا أغنياء نسبياً في بلادهم، لكن حتى بالنسبة لهؤلاء المحظوظين، تبقى الكلفةُ تضحيةً هائلة مع انتقال أسر كاملة.
أحد اللاجئين السوريين ممن وصلوا مؤخراً إلى هولندا وهو الآن يدير صفحة فيسبوك خاصة تحت مسمى "منتدى السوريين" قال لموقع vocativ، إن اللاجئين السوريين يضطرون إلى بيع منازلهم وأرضهم للحصول على مال يضمن لهم عيشاً كريماً وآمناً في أوروبا.
عائلة علوش
عائلة سورية أخرى دفعتها ويلات الحرب إلى بيع ما تمتلكه حتى يتمكن أبنائها الـ3 الهروب من سوريا إلى تركيا في مرحلة خاضوا بعدها غمار الرحلة الأصعب نحو أوروبا في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.
رحلة الأشقاء الـ3 بدأت مع 15 شخصاً، مستخدمين قوارب التهريب والسيارات الخاصة، عاشوا أياما صعبة وقفزوا إلى الباصات والقطارات، سكنوا فنادق رخيصة وأحياناً ناموا في العراء بعد يوم كامل من المشي.
الرحلة الشاقة التي امتدت 2100 ميل، والتي بدأت من البحر المتوسط واستمرت عبر جبال وغابات 5 دول لتنتهي بالوصول إلى ألمانيا كلفت الإخوة أكثر من 10 آلاف دولار.
في رحلتهم عبر ممر يسمى "طريق البلقان الغربي"، حاول علوش وشقيقاه أن يوفروا بعض المال، اشتروا أكياس نوم وخيمة من جزيرة ميتلين اليونانية ليبيتوا في العراء، وفي أثينا وبلغراد، دفعوا 15 دولاراً ليتقاسمو غرفة في فندق رخيص مع لاجئين آخرين.
يذكر أن تركيا يعيش بها منذ الأزمة السورية ما يقرب من 2 مليون لاجئ سوري، فيما يفضل السوريون الهجرة إلى ألمانيا التي يتوقع أن يصل عدد اللاجئين الوافدين إليها هذا العام إلى 750 ألف شخص.
منظمات دولية تطالب بعدم نسيات من بقي في سوريا
ركزت عناوين الأخبار أخيرا في جميع أنحاء العالم على اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على دول أوروبية بهدف إيجاد ملاذ آمن لهم، وحوادث غرق قواربهم في المتوسط، والمعاناة داخل المخيمات في الدول المجاورة لسوريا، إلا أنها تناست أولئك الذين بقوا "الخلف" لأن إمكاناتهم المادية لا تسمح لهم بالسفر وخوض مغامرة الوصول إلى القارة الأوروبية.
ويأمل نشطاء أن ينعكس هذا الاهتمام العالمي باللاجئين في أوروبا، على الذين ما زالوا داخل سوريا.
وقال رئيس التنفيذي لـ"لجنة اللاجئين الأمريكية" دانيال وردزورث لموقع "باز فيد"، إن الأزمة "ليست مجرد أزمة اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا"، مشبها الأمر برمته بضربة زلزال مركزه سوريا وسرعان ما تتناقص قوته التدميرية كلما ابتعدت عن المركز، في إشارة أن المعاناة الأكبر لا تزال داخل سوريا.
فقر مدقع
ويعيش العديد من الناس داخل سوريا في فقر مدقع مع البطالة التي وصلت إلى نسب قياسية وتزايد معدلات التضخم، هذا فضلا عن قطع إمدادات الماء والكهرباء الأمر الذي تستخدمه الأطراف المتصارعة كأداة للحرب فيما بينها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أنظمة الصحة والتعليم في البلاد في حالة يرثى لها، وفقا لوردزورث. فالناس الذين اضطروا لمغادرة منازلهم وليس لديهم أقرباء في مناطق أخرى لاستضاغ=فتهم، غالبا ما يتخذون المدارس كملجأ لهم.
وردزورث قال إن أولئك الذين ما زالوا في سوريا ربما غير قادرين على تحمل تكاليف الرحلة والخروج من البلاد، وبعضهم غير مستعد للمخاطرة بحياتهم بينما ثمة آخرون لا يودون أساسا ترك البلد.
من جانبه، قال بيتر سلامة، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لليونيسيف إنه من المهم أن "نتذكر أولئك الذين بقوا في الخلف".
فانيسا بارا، المتحدثة باسم منظمة "أوكسفام" قالت إنه أمر يثلج الصدر أن "ترى تدفق الدعم للسوريين الذين فروا من الصراع خلال الأسبوعين الأخيرين"، ولكن "نأمل أن الناس ستتأثر أيضا بقصص معاناة السوريين الذين لا يزالون في سوريا.