فعلها جيرمي كوربن واكتسح انتخابات رئاسة حزب العمال المعارض في بريطانيا بـ 59.5٪ بفارق كبير عن أقرب منافسيه.
بذلك اخترق حاجز التصويت المطلوب للفوز من الجولة الأولى، وبهذا ينتقل نائب دائرة شمال إزلنغتون بلندن من المقاعد الخلفية في مجلس العموم التي قضى فيها 32 عاما إلى واجهة الحزب في مفاجأة لا تزال تذهل كثيرين، إذ حصل على المركز الأول في كافة مستويات التصويت في الحزب من حيث الأعضاء والمنتسبين الجدد.
أول قرار بعد الفوز
أول قرار اتخذه كوربن بعد إعلان فوزه وسط أعضاء الحزب وبقية المرشحين بوسط لندن، المشاركة في مظاهرة لدعم اللاجئين دعت لها منظمات وحركات مختلفة منذ فترة.
وقال "هؤلاء اللاجئين ضحايا وبشر مثلنا يبحثون عن ملاذ آمن، تلزمنا الإنسانية والتعاطف على مساعدتهم"
ولم يفته أن يذكر بأن أزمة اللاجئين تلك ما هي إلا نتاج حروب لا تخدم الإنسان ولا ينبغي لبلاده أن تنخرط فيها.
زعيم العمال الجديد ركز خلال خطابه على انحيازه للفقراء والمهمشين، ودعم نظام الرفاه الاجتماعي في البلاد، بالإضافة لوحدة الحزب في المرحلة القادمة واستعداده للتعاون مع الجميع من أجل أن يتصدر الحزب مرة أخرى نتائج الانتخابات المختلفة في البلاد.
حماية النقابات
كما أعلن أن أولى مهامه في مجلس العموم كقائد للمعارضة، ورئيس وزراء الظل هو مكافحة القانون الذي تحاول حكومة حزب المحافظين الحاكم تمريره، ويراه كوربن مكبلا للنقابات العمالية.
هذه النقابات التي تعد عمودا فقريا لحزب العمال وكانت إحدى الرافعات الأساسية لحملة جيرمي كوربن لرئاسة الحزب.
من ناحية أخرى هاجم كوربن في خطابه وسائل الإعلام التي قال إنها استهدفته بشكل مسئ وخاطئ، واتهمها بأنها لم تدرك بعد تطلعات الأجيال الجديدة ولا كيف يسير العمل السياسي.
ردود أفعال
أولى ردود الفعل على فوز كوربن، كانت من رئيس الحزب المستقيل إيد ميليباند، الذي أعلن احترامه للنتيجة وتأييده لكوربن، واعتبر أن الطفرة التي شهدها الحزب من حيث الأعضاء الذين انضموا حديثا ليشاركوا في انتخاب كوربن ينبغي أن تترجم إلى طفرة في نشاط الحزب وتحويل المنتسبين الجديد إلى أعضاء فاعلين.
يذكر أن حزب العمال شهدا إقبالا كبيرا على الالتحاق به كأعضاء جدد ومنتسبين، قبيل انتخابات رئاسة الحزب، وهي خطوة عزاها كثيرون لقدرة جيرمي كوربن وبرنامجه على جذب قطاعات شعبية وشبابية مختلفة للحزب أرادت أن تعزز حظوظه بالفوز برئاسة الحزب لأن انتخابات رئيس الحزب تتم بالاقتراع المباشر لكافة الأعضاء.
اقبال على حزب العمال
أحد هؤلاء الأعضاء الجدد هو دكتور أحمد الدبعي أستاذ علوم الحاسب بجامعة إدنبرة نابير من أصول يمنية الذي قال لـ"هافنغتون بوست عربي" إنه قرر الانضمام للحزب قبل الانتخابات لأن برنامج كوربن طموح وبه رؤية سياسية معتدلة جدا ويريد تحسين الاقتصاد البريطاني بعيدا عن التدخلات العسكرية الخارجية.
وأضاف الدبعي "فوز كوربن يعكس أن المزاج الشعبي العام في بريطانيا يتوق لتغيير جذري في البلاد بعيدا عن النمطية السياسية التي تحكم البلاد منذ عقدي السبعينات والثمانينات".
غير أن خصوم كوربن كان لهم موقفاً مغايراً إذ أعلن جيمي رييد وزير الصحة في حكومة الظل للعمال وأحد المعارضين بشدة لكوربن استقالته فور إعلان فوز هذه الأخير.
كما أعلنت منافسته يفيت كوبر وغيرها من رموز حكومة الظل الحالية أنهم لن يشاركوا معه في حكومة الظل للمعارضة التي سيشكلها.
واستمر كثير من المحللين في طرح أسئلة تتعلق بمستقبل الحزب في ظل قيادته غير التقليدية الجديدة وما إذا كان سيستطيع إحراز الفوز في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها عام 2020 وبالتالي تشكيل الحكومة وحكم البلاد أم أنه سيتجه بقوة ناحية اليسار تاركا منطقة الوسط السياسي ليتمدد فيها حزب المحافظين الحاكم ويتراجع العمال من المركز الثاني إلى الثالث؟
وقبل أن تتجه البلاد إلى الانتخابات العامة بعد خمس سنوات هناك عدة انتخابات ستعطي مؤشرا على وضع الحزب. منها مثلا انتخاب عمدة لندن المقررة العام المقبل وقد فاز بترشيح الحزب النائب المسلم في مجلس العموم صادق خان ليصبح المرشح الرسمي لحزب العمال في هذه الانتخابات.
ملفات ساخنة في الانتظار
جيرمي كوربن ذكر أيضا في خطاب فوزه إن يعتزم العمل مع خان في حملته ليعود العمال مرة أخرى لعمدية بلدية العاصمة البريطانية بعد أن انتزعها منهم عمدة لندن الحالي وعضو حزب المحافظين بوريس جونسون عام 2008، وهناك أيضا الاستفتاء الذي تريد حكومة المحافظين إجراؤه منتصف العام المقبل حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ويعد العمال من أبرز الداعمين لاستمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد.
كما أن هناك انتخابات البرلمان الاسكتلندي المقررة العام القادم أيضا، والتي ستتمخض عن حكومة محلية جديدة في اسكتلندا. وهي المنطقة التي مُني حزب العمال فيها بهزيمة منكرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ولم يفز سوى نائب عمالي واحد من أكثر من خمسين دائرة انتخابية كانت تعد تاريخيا معقلا لحزب العمال.
تأثير هذه النتيجة لن ينحصر على الشأن الداخلي في بريطانيا، فقط بل سيمتد لسياستها الخارجية أيضا، فالشكوك تحوم على قرار بريطانيا المشاركة بضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا بعد أن أتى أحد رموز تحالف أوقفوا الحرب لزعامة المعارضة. حيث من المقرر أن يخضع قرار المشاركة للتصويت بعد أيام في مجلس العموم البريطاني.