عائلة سورية تروي قصة وقوعها ضحية للصحافية المجرية

عربي بوست
تم النشر: 2015/09/09 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/09/09 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش

لم يخطر ببال مهند البالغ من العمر 19 عاماً، والقادم من مدينة "دير الزور" والمصاب بعد أن انفجرت رصاصة بساقه اليسرى، أنه سيجلس يوما أمام شاشة التلفاز ليشاهد القنوات الفضائية العالمية والعربية من غرفة في شقة مستأجرة بمدينة تركية، تنقل مقطع فيديو لوالده وشقيقه الأصغر وهما يتعاركان مع صحافية مجرية أسقطتهما أرضا كي لا يفرا من الشرطة التي كانت تحاول منعهم من قطع الحدود للوصول إلى الجنة الموعدة: ألمانيا.

مهند -بحسب ما عبر عنه لـ"عربي بوست" عبر الهاتف- لم يشعر بلحظة عجز منذ إصابته بالرصاصة قبل نحو 3 أعوام و8 أشهر وبضعة أيام، كالتي شعر بها يوم الأربعاء 9 سبتمبر/أيلول 2015، وهو يشاهد لحظات الرعب علي وجه شقيقه وصرخة الألم من والده وهو "يشتم" بوجه صحافية مجرية كانت تقوم بتغطية حدث محاولة مئات اللاجئين الفرار من الشرطة، فأسقطته عمدا بركلة من رجلها لتمنع هربه.

ركلة الصحافية المجرية؛ وتدعى بيترا لازلو، أخذت صدى عالميا سيئا بعد أن صورها صحافي ألماني آخر وهي تركل وتهاجم وتعرقل لاجئين يفرون من الشرطة؛ فاضطرت قناة "N1TV" التي تعمل فيها أن تطردها من الوظيفة رغم توجهاتها اليمينية المناهضة للمهاجرين.

القناة المعروفة أيضا باسم تلفزيون "نيمزيتي" قالت في بيان إن "إحدى العاملات في إن1 تي.في أظهرت اليوم سلوكا غير مقبول في نقطة التجمع في روزكي.. أنهينا عقد المصورة اعتبارا من اليوم."

وفيما تعالت الأصوات المطالبة بتقديم الصحافية للقضاء خاصة من قبل الأحزاب المعارضة، قال رئيس تحرير القناة التلفزيونية "أعتقد أننا قمنا بما يجب أن نقوم به في مثل هذا الموقف. لا نفهم كيف يمكن أن يحدث ذلك. هذا أمر صادم وغير مقبول."

صدمة الحادث

الشاب الذي كان يوما ما مليئا بالحركة ومشاركا في المظاهرات، وأصابته رصاصة استقرت بساقه في يوم لن ينساه أبداً من أيام يناير/كانون الثاني 2012، لم يستطع منع نفسه من التساؤل عن السبب الذي دفع الصحافية الشقراء إلى أن تمارس كل ذلك "العنف والكره" تجاه والده وشقيقه الأصغر.

فالوالد أسامة عبدالمحسن -كما يشرح مهند- كان يعمل مديرا لمكتب "المنشئات" بديرالزور قبل أن يضطر لتقديم استقالته بعد بدء المواجهات فى دير الزور بين المعارضة وقوات النظام، عاقدا العزم على البدء برحلة -ستتضح فيما بعد أنها طويلة- لتأمين مستقبل لأسرة مكونة من الأم (38 سنة) ومهند ومحمد (17 سنة) وشقيقة أصغر وآخر العنقود زيد (7 سنوات) الذي قرر والده أن يصطحبه معه لأنه الأقرب إلى قلبه لعمره الصغير ولأن وجوده سيساعده على تقديم طلب لم شمل بقية أفراد الأسرة فيما بعد عندما يصل إلى ألمانيا.

رحلة الأب برفقة الابن الأصغر زيد بدأت مطلع الشهر الجاري من مدينة "بودروم" التركية، واستطاع بعد 3 محاولات فاشلة، الوصول إلى اليونان، لينطلق بعدها إلى مقدونيا ومنها إلى صربيا، وقبل توجهه إلى الحدود المجرية "اتصل بنا ثم انقطعت أخباره نهائياً" يقول مهند.

الأسرة القلقة حاولت الاطمئنان عليه بالاتصال مع المجموعة التي خرج معها الأب (نحو 20 شخصا) ودفع كل واحد منهم 1300 دولار للمهربين.

انقطاع الأخبار

"آخر أخباره انقطعت عنا منذ يومين" يوضح مهند، ويقول"شعرنا بصدمة كبيرة مع والدتي وأختي بعد مشاهدة مقطع الفيديو والموقف القاسي الذي تعرض له والدي وشقيقي الأصغر" اللذين لا يعرفان عنهما شيئا حتى بعد الحادث.

الشرطة المجرية قالت في موقعها على الإنترنت إنها أغلقت طريق "إم.5" السريع بعد أن اخترقت مجموعة من المهاجرين طوقا فرضته الشرطة في "روزكي" على الحدود مع صربيا الأربعاء وانطلقت سيرا على الأقدام صوب الطريق السريع. وقالت إن نقطة دخول طريق إم.5 الذي يقود من الجنوب إلى بودابست أغلقت.

وقال موقع "إيندكس" الإخباري المحلي إن نحو 400 مهاجرا فروا من نقطة التجمع وانطلق نصفهم نحو الطريق السريع بينما توجه النصف الآخر إلى طريق فرعي باتجاه مدينة "زيجيد".

قلب الأم

لكن كل هذه الأخبار لم تهدئ من قلب الأم التي لا تستطيع نسيان مشهد الرعب الذي ارتسم على وجه طفلها زيد بعد سقوطه أرضا وتجمع الشرطة حوله وحول والده.

الأم تشعر الآن بالندم بعد أن وافقت في البداية -تحت إلحاح زوجها- أن يخوض الابن الأصغر هذه الرحلة الشاقة، قائلة لـ"عربي بوست" إنها "ليست كأي رحلة، إنها رحلة الموت"، وتضيف رضخت لكلمات طفلي المطمئنة عندما قال "ماما أنا طالع ألمانيا أشوف محمد لا تخافين" فقد كان يشعر بسعادة كبيرة لرؤية أخيه محمد.

محمد، وهو الابن الأوسط الذي قرر المغامرة أولا فسافر منذ 8 أشهر عبر باخرة إلى إيطاليا ومنها بالقطار إلى ألمانيا، كان يأمل في طلب لم الشمل مع الأسرة لصغر سنه، لكن صعوبة الطريق والإجراءات المعقدة أخّرت في طلب لجوئه وكان قد تجاوز السن القانونية ولم يعد بمقدوره طلب لم الشمل.

الأب لن يسكت

مهند الذي أثرت على حركته رصاصة أطلقتها القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، يؤكد أن والده لن يسكت "عما حدث معه، لكن حاليا لا نعرف ظروفه" في إشارة إلى إمكانية أن يتقدم بدعوى قضائية ضد الصحافية المجرية، وفي مواساة لما تعيشه العائلة من حالة ترقب وخوف على مصير الأب والشقيق الأصغر.

"والدي يئس من كل شيء، ولم يجد عملاً يقوم به في تركيا، وتدهورت الحالة المادية خاصة أن المعيشة صعبة هنا، وكان مصرا على أن نتابع دراستنا" هذه هي الأسباب التي دفعت الوالد إلى الهجرة على حد قول الابن المصاب.

مهند يشعر بالأسى من عجزه وعدم قدرته أن يكون إلى جانب والده في هذه الظروف العصيبة. يتذكر المسيرة القصيرة لحياته كشريط سينمائي، ويقول "خرجنا من ديرالزور إلى دمشق في بداية القصف على المدينة ومحاصرة النظام لها".

فقد أقام مهند وعائلته في دمشق ليتلقى العلاج من الإصابة، فيما بقي الوالد بديرالزور "وكان يأتي لزيارتنا كل شهرين تقريبا ليطمئن علينا ويعود بعدها إلى الدير مرة أخرى، يمر بطرق صعبة لأنه كان مطلوبا من جميع الفروع الأمنية"، حيث كان يعمل معالجا فيزيائيا للمصابين من أبناء مدينته في الجزء الواقع تحت سيطرة المعارضة السورية.

بعد دمشق ورحلة العلاج هناك، توجهت العائلة إلى الرقة حيث أقامت لثلاثة أشهر، قبل أن تنتقل مع رب الأسرة إلى تركيا بعد دخول "داعش" إلى ديرالزور.

مهند بعد إصابته لم يعد يفكر في شيء بقدر تفكيره في دراسته التي لم يستطع أن يكملها بسبب الحرب التي اندلعت في كل بقاع سوريا.

ويتساءل في نفسه: "ما الذي قد يدفع صحافية شقراء وجميلة إلى أن تخرج كل ذلك الكره تجاه مجموعة من اللاجئين لا حول لهم ولا قوة؟"

أنا معجبة بما فعلت!

لكن الجواب لم يتأخر كثيرا، فسرعان ما خرجت حسابات على الشبكات الاجتماعية باسم الصحافية بترا لازلو التي لم يمكن اقتفاء أثر لها على "تويتر" أو "فيسبوك" قبل اليوم، تتحدث عن أنها "معجبة بما قامت به"!

الحساب الجديد على تويتر لم يتسن التأكد من صحته، ولكن عدة مئات بدؤوا بمتابعته فورا.

وتقول في إحدى التغريدات "عالم الانترنت قاس جداً، كره كبير يحمله لي، ولكن جلّ ما فعلته هو مساعدة الشرطة المجرية في حماية دولتنا".

وأضافت في تغريدة أخرى "هؤلاء ليسوا لاجئين، هؤلاء مهاجرون يدّعون أنهم يحمون أرواحهم، ولكن هدفهم الاستيلاء على هنغاريا".

وهل تُحجب الأحلام؟!

لكن أحزاب المعارضة والتحالف الديمقراطي في المجر صرحت أنها سترفع دعوى قضائية ضد لازلو لممارستها العنف بحق اللاجئين، وقد تتعرّض لعقوبة تصل إلى 5 سنوات إذا تمت إدانتها.

وتسعى أوروبا جاهدة للتعامل مع التداعيات الإنسانية والسياسية لتوافد آلاف المهاجرين إليها الذين فر معظمهم من الصراعات في الشرق الأوسط ويأتون طلبا للجوء.

وتوافد عشرات الآلاف من السوريين على ساحل بحر ايجة في تركيا هذا الصيف ليركبوا قوارب تنقلهم الى الجزر اليونانية القريبة التي تقع في بعض الحالات على بعد أربعة كيلومترات.

وترى بعض الدول الأوروبية إن الترحيب باللاجئين الذين يصلون إلى القارة بطرق غير مشروعة، يشجع غيرهم على القيام بالرحلة الخطرة.

لكن هذه المخاوف لا تقنع مهند الذي يرى أنه كان ضحية "نظام ديكتاتوري" أقعد جسده، إلا أن "روحه" تتوق للطيران والاستمرار في الحياة واستكمال العلاج والدراسة تحديدا في الجنة الموعدة بـ: ألمانيا.

تحميل المزيد