رجال مصر يتفوقون على نسائها في معدلات الانتحار.. والحب والبطالة والإحباط أهم العوامل

كان المشهد مأساويا قبل أسبوعين أمام مستشفى "دمنهور" العام (شمال مصر)، بعدما فوجئ المارة بشاب في الـ30 من عمره، يقفز منتحرا في "ترعة المحمودية" أمام المستشفى، بعدما علم بانتحار من يحبها، لرفض أهلها زواجهما، فقرر أن يلحق بها منتحرا.

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/26 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/26 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش

كان المشهد مأساويا قبل أسبوعين أمام مستشفى "دمنهور" العام (شمال مصر)، بعدما فوجئ المارة بشاب في الـ30 من عمره، يقفز منتحرا في "ترعة المحمودية" أمام المستشفى، بعدما علم بانتحار من يحبها، لرفض أهلها زواجهما، فقرر أن يلحق بها منتحرا.

تحريات الأمن المصري كشفت أن شاب عمره 26 سنة، موظف، تقدم لخطبة فتاة ارتبط بها عاطفيا، إلا أن أهل الفتاة قابلوا طلبه بالرفض، فقامت الفتاة بالقفز من شرفة منزلها، مما أدى لإصابتها بكسور ونزيف داخلي وتم نقلها لمستشفى دمنهور العام.

الشاب حينما جاء ليطمئن عليها صباح الاثنين، بالمستشفى وجدها قد فارقت الحياة، فصرخ وخرج مسرعا وقفز في ترعة المحمودية وغرق في الحال.

احباط الشباب

ومع تزايد حالات الانتحار بين الشبان والفتيات ما بين سن الـ25 والـ40، لأسباب عاطفية أو احباط بسبب البطالة أو العنوسة أو عدم القدرة على رعاية الأسرة، أوردت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" – منظمة غير حكومية – إحصائية على موقعها، رصدت خلالها في الفترة منذ يناير/ كانون الثاني 2015 وحتى 2 أغسطس/ آب، "عدد 157 حالة انتحار وقعت في مصر، بخلاف محاولات الانتحار فقط، وتم إنقاذها".

"التنسيقية" قالت إن الرجال هم أكثر المنتحرين، حيث بلغ عدد حالات انتحار الرجال 128 حالة بنسبة 81.5%، فيما بلغت حالات انتحار الإناث في الـ7 أشهر 29 حالة فقط بنسبة 18.47%.

كما لفتت إلى أن هناك يوميا ما بين 5 و6 حالات انتحار تأتي إلى مستشفى القصر العيني بالقاهرة؛ ما يعني أن عدد حالات الانتحار في البلاد أكبر بكثير؛ ربما لأن الكثير من هذه الحالات يتم إنقاذها، أو نتيجة عدم الإعلان عن كثير منها في وسائل الإعلام.

وقالت "التنسيقية" إن النسبة الأكبر لحالات الانتحار في شريحة الشباب والمنحصرة في الفئة العمرية ما بين (18: 35) حيث بلغت 83 حالة بنسبة 52.87%.

شريحة العمر للمنتحرين (من 36 وحتى 60 عاما) جاءت في المرتبة الثانية بـ 28 حالة انتحار (بنسبة 17.83%)، تلتها 27 حالة انتحار مجهولة العمر بنسبة (17.19%)، ثم 16 حالة انتحار في شريحة الأطفال والأحداث بنسبة (10.19%)، وأخيرا 3 حالات انتحار في فئة المسنين الأكبر من 60 عاما (بنسبة 1.9%).

"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" أكدت أن هذه الأرقام استندت إلى ما رصدته وسائل الإعلام والصحف والمواقع الإخبارية في مصر.

4 أسباب للانتحار

أما الأسباب المؤدية للانتحار، فقد تنوعت حسب تقرير "التنسيقية"، إذ جاءت الأسباب النفسية في المرتبة الأولى بعدد 50 حالة انتحار (تمثل ما نسبته 31.84%)، وتشمل هذه الأسباب: الاكتئاب، والضيق النفسي، والغضب العارم.

بينما جاءت الأسباب الاجتماعية في المرتبة الثانية بعدد 42 حالة انتحار (تمثل ما نسبته 26.75%)، وتشمل: الخلافات والنزاعات الأسرية، ومشكلات التعليم والفصل من الدراسة والعمل.

الضوائق المادية والمشكلات الاقتصادية المباشرة جاءت في المرتبة الثالثة بعدد 32 حالة انتحار (تمثل ما نسبته 20.32%)، وتلي ذلك الأسباب غير المعلومة بعدد 25 حالة انتحار (تمثل ما نسبته 15.92%).

وأشار التقرير لانتحار 8 أشخاص لأسباب تتعلق بالأداء الحكومي في البلاد (بنسبة 5.09%)؛ بينهم شخص رفض المحافظ (مسؤول محلي) مقابلته، وآخر لشكوته من ظلم مديره في العمل وعدم تمكنه من الحصول على حقه.

الطلاب والعمال أغلب المنتحرين

الاحصائية كشفت أن الطلاب والعمال هم أغلب المنتحرين وأن مهن المنتحرين تنوعت أيضا، ما بين عاطلين وشباب يعاني من احباطات عاطفية أو عدم توافر العمل مع كبر السن.

حيث أظهرت أرقام التنسيقية – بعد استبعاد 39 حالة انتحار (تمثل ما نسبته 24.84%) لعدم معرفة مهن أصحابها – تصدر "الطلاب" المرتبة الأولى لعدد حالات الانتحار (34 حالة) 21.65%، يليهم "العمال" بعدد 31 حالة انتحار (19.74%)، وفئات عمل "أخرى" جاءت في المرتبة الثالثة بــ "27" حالة انتحار (17.19%)، وهي تشمل: ربات المنازل، ومن أحيلوا إلى التقاعد، و4 سجناء، و5 رجال شرطة.

كما رصدت التنسيقية انتحار 13 عاطلا (بنسبة 8.2%)؛ وهو أمر طبيعي نظرا لضعف الدخل وكثرة الضوائق المالية، ومن ثم المشكلات الأسرية المترتبة عليها، بحسب التنسيقية، ثم فئة "الموظف" بـ8 حالات انتحار (5.73%)، وأخيرا فئة "المهنيين"، مثل الطبيب والمحامي والمهندس، بـ4 حالات انتحار تمثل ما نسبته 2.54%.

توصية وتحذير

التنسيقية قالت في تقريرها أن "مصر عانت من ظاهرة الانتحار في مطلع العام 2015 بشكل فاق ما تم رصده في الأشهر الأخيرة من العام 2014؛ وهو العام الذي ظهر بروز تلك الظاهرة واندفاعها إلى السطح، وتحولت من حوادث نادرة فردية إلى ظاهرة تستحق التوقف عندها ورصد متغيراتها".

كما حذرت من أن "نسبة كبيرة من الشباب تعاني من مشكلات خطيرة بحيث الانتحار بات حاضرا لدى هذه الشريحة، وبأن الظاهرة باتت تزحف على فئة الأطفال مما يعني خطورة متصاعدة على الأجيال القادمة".

وأوصت التنسيقية بـ "ضرورة معالجة أثر الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد"؛ "حيث إن حالات الانتحار قد برزت كظاهرة في خلال العامين الماضيين بشكل كبير.

حالات انتحار مأساوية

رواد مواقع التواصل الاجتماعي بثوا صورا وفيديوهات لشبان انتحروا بطريقة مأساوية أبرزها على كوبري قصر النيل بوسط القاهرة، وتركوا في جثثهم المعلقة أوراق تشير لأسباب عاطفية أو صعوبة ايجاد وظيفية أو الاحباط من الوضع العام، منها جثة شاب انتحر شنقا فوق شجرة لمروره بضائقة مالية في مارس الماضي في محافظة الدقهلية.

أيضا زوجة قررت الانتحار بسبب "مصروف البيت" فأشعلت النار في نفسها، وفتاة اختلفت مع خطيبها فتناولت سم الفئران، وأعقبها خطيبها بالانتحار أيضا لشعوره بالذنب تجاهها، ورجل قتل بناته الـ5 وأمهن ثم انتحر، لأنه لم ينجب سوى بنات، وطالب ألقى بنفسه في النيل بسبب رسوبه، وفتاة قتلت نفسها لعدم استطاعة أسرته دفع مصروفات الدراسة، وشاب لعدم قدرته على الإنفاق على أسرته، بحسب مدونة "مستشفى العقلاء".

وكانت أبرز حالات المنتحرين شهرة في مصر، هي حالة المصري الذي أقدم على الانتحار شنقا بعدما قام بتعليق نفسه من رقبته على لوحة إعلانات بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي، بسبب مروره بضائقة مالية.

منذ يناير/ كانون الثاني 2011 وحتى عام 2014، رصد جهاز التعبئة والإحصاء 18 ألف محاولة انتحار، منها 3 آلاف لمن هم أقل من 40 عامًا، وبلغ المعدل السنوي 5 محاولات من أصل ألف شخص، وذلك بزيادة 12% عما كانت عليه عام 2010.

إحصائيات الجهاز أكدت أن النصيب الأكبر من المنتحرين شهده شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بانتحار 25 شخصًا، منهم فتاة لم تتجاوز (13عامًا) بسبب خلافات مع زوجة والدها، وحالات، لشاب شنق نفسه بملاية السرير في الدقي، وفتاة قفزت من كوبري قصر النيل.

دراسات سابقة تؤكد تنامي الظاهرة

دراسة سابقة أجرتها منظمة الصحة العالمية، جاءت مصر في المركز الـ 96 على مستوى العالم من حيث عدد الأفراد المقبلين على الانتحار، وكان ذلك في عام 1987، ثم شهد عام 2007 عدد 3708 حالات انتحار متنوعة من الذكور والإناث، وسجل المركز القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة وقوع 2355 حالة انتحار بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و23 عامًا، طبقًا للإحصائيات الرسمية.

وفي عام 2009 أظهرت دراسة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، انتحار 104 آلاف حالة، تمكن 5 آلاف منهم من التخلص من حياتهم، وجري انقاذ الباقي، وأن الفئة العمرية الأكثر إقبالاً على الانتحار هي ما بين 25 و40 عامًا؛ وأن النسبة الأكبر للانتحار هي للرجال، وأن معظم حالات الانتحار ترجع إلى الظروف الاقتصادية، وعدم القدرة على الإنفاق على الأسرة.

آراء الخبراء

خبراء نفس واجتماع قالوا إن ظاهرة الانتحار انتشرت بشكل واسع، منذ قرابة عامين وجاءت أغلبها بسبب تردي الظروف الاقتصادية في البلاد، واتساع دائرة الفقر والظروف الاجتماعية والسياسية.

الدكتورة عزة كُريم، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أرجعت أسباب تزايد عدد حالات الانتحار إلى نفس الظروف المعيشية خلال المرحلة التي سبقت ثورة 25 يناير، مشيرةً إلى أن المواطنين يعانون من ارتفاع الأسعار والإحساس بضبابية المستقبل، فضلاً عن فصل عدد كبير من العمال.

ويقول د. رشاد أحمد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع، أن "العامل المادي يأتي في مقدمة هذه الأسباب، يليه الفقر وصعوبة توفير احتياجات الأسرة، وكذلك التفسخ الأسرى الذي أصاب العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة والمجتمع وهو أمر يشعر الفرد بالعزلة والوحدة وفقدان العون وأنه لا يجد ما يستحق الحياة من أجله فيستهين بحياته التي لا تهم أحدا ولا ينشغل أحد بها".

ويضيف أن الطموح الزائد عن حدود الإنسان وإمكانياته عند الذين لهم طموحات كبيرة يجعل الانتحار أحد الحلول التي تراودهم وهو حل يظل يتضخم حتى يصبح الحل الوحيد لديهم والمنقذ من الورطة التي يعيشونها فيقدم على هذه الجريمة.

رواد مواقع التواصل الاجتماعي رصدوا الظاهرة وعلقوا على أحداث منها.

تحميل المزيد