لبنان لا يحتمل ثورات.. وما يحصل فيه هو رد فعل فقط!

شهدت العاصمة اللبنانية اصطدامات بين قوات الجيش اللبناني ومتظاهرين خرجوا إلى ساحة رياض الصلح وسط بيروت، منددين بأزمة النفايات المستمرة منذ أكثر من شهر، وأسفرت عن إصابة نحو 70 متظاهراً لبنانياً.

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/24 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/24 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش

شهدت العاصمة اللبنانية اصطدامات بين قوات الجيش اللبناني ومتظاهرين خرجوا إلى ساحة رياض الصلح وسط بيروت، منددين بأزمة النفايات المستمرة منذ أكثر من شهر، وأسفرت عن إصابة نحو 70 متظاهراً لبنانياً.

وعملت القوى الأمنية على تثبيت جدران عازلة عبر وضع عوائق إسمنتية في الساحة التي تجمع فيها المواطنون في اليومين السابقين.

ويرى محللون أن الاحتجاجات تحولت إلى متنفس للتعبير عن الغضب والامتعاض من الطبقة السياسية والفساد المستشري والمشاكل المزمنة التي تعاني منها البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية. حتى أن مطالب المعتصمين تخطت أزمة النفايات لتركز على الخلل العام في أداء الدولة.

ليست ثورة

لكن النائب خالد الضاهر قال لـ"عربي بوست" إنّ "ما حصل خلال اليومين الماضيين في بيروت هو ليس ثورة بالمعنى الحقيقي، بل ردة فعل شعبية مشروعة تمّ استغلالها من قبل بعض المتضررين في السلطة الذين حوّلوها عن مسارها السلمي، لأن ذلك يضر بمصالحهم من جهة، ومن جهة ثانية بهدف ضرب هيبة الدولة وفرض هيمنتهم عليها".

وأضاف أنّ "مطالب المتظاهرين محقة وهناك مطالب أخرى كثيرة تهمّ حياة المواطن اللبناني، ولكن للأسف هناك قوى قادرة على اختراق هذه التحركات وتجييرها لمصلحتها من أجل تحقيق مكاسب لها".

النائب خالد الضاهر

الضاهر الذي طالب منذ فترة الحكومة بالاستقالة يقول إن هذا الأمر "صعب اليوم فاستقالتها في ظل هذه الظروف يعني انتشار الفوضى وحكم الأقوى والذي غالباً هو الجهة التي تملك السلاح وهي حزب الله"، وأضاف "في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية البلد ستعيش فراغاُ من دون حكومة".

لا أحد يصغي

الباحثة في مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" مها يحيى، قالت للوكالة الفرنسية "نزل الناس إلى الشوارع لأنهم يشعرون أن أحدا لا يصغي إليهم".

وأضافت "تدهورت الخدمات الأساسية في البلاد، لدى الناس هموم عدة تتعلق بالكهرباء والماء والوظائف والتربية والصحة".

ويشهد لبنان عادة تظاهرات أو تحركات احتجاجية بناء على دعوة من الأحزاب السياسية لكن نادرا ما يتم التحرك ضد الطبقة السياسية وتحت عناوين مطلبية اجتماعية.

وتأتي التحركات الأخيرة في الشارع على خلفية أزمة النفايات التي شهدتها شوارع بيروت ومدن وبلدات محافظة جبل لبنان، وهي من المناطق السكنية الأكثر كثافة بعدما أغلق مواطنون في 17 تموز/يوليو الماضي بالقوة المطمر الأكبر في البلاد الذي كانت تنقل إليه نفايات هذه المناطق على مدى السنوات الماضية.

وتفاقمت المشكلة مع انتهاء عقد الشركة التي كانت تتولى عملية جمع النفايات من الشوارع من دون تجديده، وانقسام القوى الياسية حول الجهة التي ستستفيد من العقد الجديد.

الكهرباء.. والفساد أيضا

لكن الألاف من المتظاهرين أعربوا عن سخطهم أيضا من تقنين التيار الكهربائي المستمر منذ عقود ونقص المياه والفساد المستشري في الإدارات والانقسام السياسي الذي يحول من دون انتخاب رئيس للبلاد منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 مايو/أيار 2014.

وجرت الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان عام 2009، وعمد مجلس النواب بعد انتهاء ولايته الأولى الى التمديد لنفسه مرتين، الامر الذي يصفه المتظاهرون بـ"غير الشرعي".

وقالت يحيى للوكالة الفرنسية إن هذه التحركات هي "بمثابة جرس إنذار لجميع القادة السياسيين".

طبقة سياسية عاجزة عن الحل!

من جهته اعتبر المحلل والسياسي اللبناني، خلدون الشريف، أنّ ما يحصل في بيروت هو "حراك مدني يعبّر بدقة عن سأم الناس من طبقة سياسية عاجزة عن حل أي مشكلة معيشية في لبنان".

الشريف أضاف لـ"عربي بوست" أن "هذا التحرك يأتي للضغط على الحكومة لإيجاد حل لأزمة تشكل خطراً على كل اللبنانيين وهي أزمة النفايات وهي لا تقل عن بقية الأزمات المعيشية من كهرباء وماء وطرقات وفساد ورشاوي وسمسرة وصفقات".

واعتبر أن الخوف الذي تشعر به بعض الرموز السياسية مما يحصل هو مبرر لأن "كرة الثلج إذا تدحرجت من الصعب تحديد مسارها أو وجهتها النهائية، وهناك مصالح سياسية كبيرة تسعى إلى تعطيل هذا التحرك وجعله هزيلاً فارغاً من أي محتوى".

السياسي اللبناني خلدون الشريف

الحراك الذي وحّد بيروت العاصمة واللبنانيين -بحسب الشريف- انتهى بسبب تدخل "الفرقاء السياسيين الذين انقسموا في توصيف قادة الحراك، واتفق كل من 8 و14 آذار على رفض الحراك وإطلاق النعوت عليه لإجهاضه وكلّ منهما له أسبابه وأدواته".

لبنان كما يراه الشريف، بلد يتميز بنظام سياسي وطائفي شديد التعقيد، والتغيير فيه ليس بمتناول يد أحد بمفرده، ولكن "الحراك الشعبي قد يؤدي إلى تحسين الحياة المعيشية لدى الناس ولو بالحد الأدنى فحل مسألة النفايات وتوزيع مغانمها ليس بقضية تغيّر موازين القوى ولكنها بالتأكيد تؤثر على صحة اللبنانيين".

لولا الطائفية لعشنا ثورة!

من جانبه، وجد السياسي اللبناني توفيق سلطان، أن ما يحصل في لبنان هو مجرد تحركات غاضبة تعبّر عن امتعاض المواطنين من تردّي الأوضاع التي يعيشونها ومن تلكؤ السلطة عن معالجة القضايا المعيشية والاقتصادية التي يرزح لبنان تحت وطأتها.

وقال لـ"هافينغتون بوست" إن "ما حصل في بيروت هو ردة فعل شعبية ضد الفساد الحاصل، ويجب ألا يتم حرفها عن مسارها الصحيح ولو تخللها بعض التجاوزات من عناصر جاهلة أو مدسوسة".

وأكد سلطان أنه "لولا الطائفية التي تحكم لبنان لهجم الناس على بيوت الزعامات السياسية، وهذا يؤشر إلى أن لبنان لا يحتمل ثورات ولا يمكن أن تقوم به ثورة وإذا قامت فسيتم إجهاضها كما حصل مع التحرك الشعبي الأخير".

السياسي اللبناني توفيق سلطان

وأضاف "إن الموضوع الأساسي هو محاربة الفساد، والقضية ليست موضوع نفايات بل هي أكبر وأشمل من ذلك بكثير".

ويرى "سلطان" أنه يجب الحرص على ألا تضيع القضية مع إصرار المعتصمين على محاسبة من أعطى الأمر بإطلاق الرصاص على العزل ومن قام بأعمال شغب".

ودعا القوى الأمنية أن تقوم بحماية المتظاهرين من القوى المدسوسة كي يكون هذه الحراك الشعبي بداية تغيير جذري للنظام الطائفي.

ومن وجهة نظر السياسي اللبناني فإن ما يجري في لبنان هو دليل على أن القافلة بدأت تمشي في الطريق الصحيح، ولكن يجب "على المدعي العام المالي أن يضع يده على ملفات الفساد وحسم الأمور بالسرعة الممكنة، وعلى الرئيس تمام سلام الحسم بما يحكم به الدستور".

التهدئة

ودعا رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام ظهر الأحد المتظاهرين إلى التهدئة، منتقدا استخدام "القوة المفرطة" من القوى الأمنية في مواجهة المعتصمين الذين يرفعون مطالب محقة.

واعتبر في مؤتمر صحافي أن استمرار القوى السياسية في تعطيل عمل مجلس الوزراء سيوصل البلاد إلى "الانهيار"، مشيرا إلى أن تلويحه في وقت سابق بتقديم استقالته لا يزال خيارا مطروحا على الطاولة.

ويرأس سلام حكومة تضم ممثلين عن غالبية القوى السياسية وتتولى بموجب الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل فشل البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد منذ أكثر من عام.

لكن جلسات مجلس الوزراء الأخيرة شهدت توترا بسبب خلاف حاد بين القوى السياسية على جملة ملفات حياتية سياسية وأمنية وكيفية تقاسم الحصص بينها.

ودعا المتظاهرون سلام إلى تقديم استقالته مع فشل حكومته في أداء واجباتها، ما أثار الخشية من الوقوع في فراغ سياسي كامل.

الفوضى بديل لإسقاط النظام الفاسد

أستاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت فاديا كيوان قالت للوكالة الفرنسية "لست متمسكة أبدا بهذا النظام الفاسد لكن ما البديل في حال إسقاطه؟ الفوضى".

كيوان رأت أنه على المتظاهرين التركيز على أزمة النفايات و"ممارسة الضغوط على الحكومة" لإيجاد الحلول المناسبة.

تحميل المزيد