13 ألف لاجئ سوري، يقيمون الآن في الجزائر، بحسب بعض الاحصاءات التي قد تزيد العدد او تنقصه قليلاً، ظهر عشرات الأفراد الذين عقدوا العزم على إيجاد حياة كريمة فكان لهم ما أرادوا، واستطاعوا أن يلهموا الجزائريين على حب العمل والمثابرة.
قليل منهم جاء قبل الأزمة، واستطاعوا تأسيس شركاتهم وتثبيت جذورهم في عالم المال والتجارة، لكن الكثيرون قدموا بعد الأحداث في سوريا، حملوا معهم شهادتهم وحرفهم، وقفوا أمام المساجد وعلى الأرصفة، لتسول المال، ولم يجدوا في سخاء الجزائريين، مبرر للاستمرار في مد اليد، بل سارعوا إلى إنجاز مشاريعهم الخاصة، وتحصيل قوت يومهم بعرق جبينهم.
السوري .. "سيد التجارة" الجديد
هنا في بلدية "بابا حسن"، والتي تقع جنوب غرب العاصمة، يعيش كثير من السوريين، ويمارسون نشاطهم المفضل وهو "التجارة"، فعلى الرغم من الأموال التي يحصلون عليها من اعمالهم التجارية لكنها لم تنسيهم أبدا مأساة ومعاناة وطنهم.
من يجوب شوارع المدينة الرئيسية، سيفهم جيدا من هو "سيد التجارة" هنا. أينما وليت وجهك في "بابا حسن"، تجد لافتات لمحلات سورية، فيمينا مثلا ستجد "حلويات الحلبي" و"الطبخ الشامي"، وعلى الجانب الآخر "أقمشة قمر الشام" و"محل باب الحارة" وغيرها من التسميات الشامية المعروفة.
أبناء "بابا حسن"، امتزجوا سريعا مع السوريين، وصاروا أصدقاء، بل ويشيدون بالخدمات التجارية التي يقدموها السوريون وبراعتهم، فبائع الأجبان والألبان القادم من مدينة حلب السورية، أصبح معروفا في وقت وجيز لدى أهل المدينة، وأصبح ينافس أصحاب هذه المهنة من الجزائريين.
تاجر تجزئة من حلب
أيمن، شاب سوري جاء إلى الجزائر بعد أن نجح في الهروب من بيته في حلب، وسط زخات الرصاص الكثيف التي كانت تطلق بالقرب من منزله.
هذا الشاب يمثل قصة صراع من أجل البقاء، فهو لا يكتفي بالتشبث بالحياة فقط، بل يسعى إلى التخلص من مآسيه التي عاشها في بلاده سريعا، فعامين كانت مدة كافية له كي يقتحم عالم التجارة، ويحسن أوضاعه المادية، ولو نسبيا، حيث يعيش اليوم مستأجرا طابقا برفقة عائلته في فيلا، بحي يعد واحدا من أرقى الأحياء بالعاصمة الجزائر.
يقول أيمن عن قصته، لـ"عربي بوست" إنه "من القلة الذين وجدوا أنفسهم سريعا هنا، بعدما حصل على مساعدة سوريين آخرين بإيجاد عمل وفتح محل للتجارة، ويقول "بعد معاناتي الشديدة والمآسي التي عانيت منها فور وصولي إلى هنا، تطلب الأمر مني بعض الصبر وطلب المساعدة من الجزائريين أيضا حتى تمكنت من الوقوف على قدمي".
ويؤكد أيمن أن تجارته، تسيير بشكل جيد، رغم غلاء أسعار الإيجار، لكنه يتعامل مع تجار التجزئة الجزائريين الذين يأتون من مختلف مناطق البلاد، وهو الأمر الذي ساعده على الاستمرار في تجارته.
عماد.. تاجر القماش الجوال
نموذج آخر للسوري المكافح من أجل لقمة في الجزائر وهو عماد. هذا الشاب، يبلغ من العمر 35 عاما، ويعمل في تجارة الأقمشة، قدم إلى هنا من محافظة درعا، مهد الشرارة الأولى للأحداث في سوريا.
يقول عماد إن "سخاء الجزائريين جعل عائلات سورية كثيرة يفضلن ترك تركيا، والقدوم إلى الجزائر".
ويضيف في حديثه لـ"عربي بوست" على إيقاع الدبكة الشامية المنبعثة من سيارته التي يستغلها في الأعمال التجارية "إن كل من غادر سوريا باتجاه الجزائر كان يعرف جيدا ماذا يريد بالضبط، فتكلفة السفر إلى هنا للعائلة الواحدة قد تصل ما يقارب الـ5000 دولار وهذا يعد مبلغ كبير، كان ممكن يساعدهم على استئناف حياة عادية بتركيا أو لبنان، لكنهم فضلوا القدوم إلى هنا من أجل حياة أفضل".
النماذج السورية التي كتب لها النجاح هنا، قد نالت احترام الكثير من الجزائريين، حيث يعلق الدكتور الجزائري عمر شعلال بنبرة إعجاب قائلا إن السوري الذي يأتي إلى هنا "فيفتح متجرا لبيع المأكولات التقليدية السورية، ويجلب الكثير من الزبائن، يعتبر قدوة للجزائريين في حب العمل والمثابرة".
فرض التأشيرة
تشديد السلطات الجزائرية على إجراءات منح الإقامة، مثل عائقا أمام عمل السوريين في البلاد، كما أدى تطبيق قرار فرض التأشيرة عليهم بداية السنة الجارية إلى تقليل أعداد القادمين.
ويقول عماد، إنه يتفهم الإجراءات الإدارية الجديدة التي فرضتها الجزائر "لأنها لدواعي أمنية"، غير أنها لم تساعد الذين أرادوا البقاء واقتحام عالم الشغل، فحرمانهم من الإقامة يمنعهم أيضا من الحصول على السجل التجاري والتنقل بسلعهم بين المدن.
عماد يعتبر نفسه محظوظا، لأنه كان من الأوائل الذين وصلوا الجزائر، وتمكنوا من تسوية أوضاعهم. كما يشرف اليوم على مشروع تجاري ناجح، يمكنه من ضمان عيشة كريمة رفقة عائلته.
نرغب في العودة ..لكن بعد حين
عماد وأيمن يحلمان بالعودة يوما ما إلى بلادهم "لكن ليس قبل 20 سنة"، والسبب حسب وجهة نظر أيمن "أنني لا يمكنني الوثوق بالتحسن السريع للأوضاع في سوريا، فحتى لو توقف إطلاق النار، ستظل هناك فوضى لفترة طويلة، مادام السلاح منتشر في كل مكان"، قبل أن يختم كلامه بتأسف، قائلا "إن سوريا بدها وقت طويل".
ويشترك غالبية السوريين المتواجدين في الجزائر، في رأي يقول إن السلم لن يعود إلى وطنهم إلا برحيل الأسد، مؤكدا أنه أمر "حاصل لا محالة"، متفاعلا مع أغنية "حر حر حرية.. بدنا بدنا حرية" التي كانت تصدح من مذياع سيارته التجارية.