هل يمكن للإنسان أن يسامح إذا ارتكب ذات الخطأ.. سؤال يطاردني اليوم حين نعد خطوات ثورة شباب مصر المتعثرة، يدافعني إحساسان متناقضان، الثأر والعفو، صوتان يصرخان في أعماقي، يتنازعان تغريداتي ومشاركاتي على وسائل التواصل الاجتماعي.
لماذا يجب علي أن أحتفظ بطاقة الغضب في وجه كل من لم يقتل أخي إبراهيم زلط؟ أليس الأولى بالغضب من أطلق النار؟ أو أعان على قتله بشق كلمة؟ لكن هذا المجتمع لم يسكت فقط، ألم يخرج عامته يرقصون على أنغام "بشرة خير"؟ ألم تتراقص نسوته على وقع "تسلم الأيادي" حين كنا نواري الجثمان، ألم تكن نخبته تحرض على الشاشات؟ ألم يتخلَّ عنا رفقاء الميدان؟
عامان مضيا على ذكرى مجزرة رابعة وهذه الأسئلة تعتمل في نفسي، تعلو حينا وتخفت أحيانًا، وأوشكت الذكرى الثانية لرحيل أخي أن تحل، في 25 ينايرمن العام الماضي يطالب بالعودة إليها، كان يؤمن أن يناير تجمعنا، فقدت في غمرة خصامي للمجتمع نصف أصدقائي على الفيسبوك وربع عدد العائلة، لم أجد بدًّا من أن أحاور نفسي بحثًا عن إجابة لهذه الأسئلة القاسية؟ لكن ما المناسبة؟
جاءت المناسبة حين توقفت طويلًا عند أغنية مفضلة لأخي إبراهيم..
"فلان الفلاني اللي ما اعرفش إسمه
فدايما بقول يا ابن عمي وخلاص".
هذه الأغنية نشرتها صفحة كلنا خالد سعيد على الفيسبوك قبل أن تكف عن التغريد، مثلت حينها مشروعًا للتأريخ لشهداء الثورة ومصابيها على يد فناني مصر، لكن "فلان الفلاني" هذا بالنسبة لي هو ضالتي المنشودة..
أنا أبحث عنه اليوم لأنه ببساطة: "كان يومها جنبي.. ساعة لما بدأوا في ضرب الرصاص".
فلان الفلاني كان معي في كل لحظات الترقب والقلق التي عشناها 18 يوما في الميدان، انشقت حناجرنا هادرة "الشعب يريد إسقاط النظام"، أشم في شخصيته الاعتبارية رائحة الغاز، وأتذكر اجتماع خيامنا من كل أطياف المجتمع، كان السلفي يغني مع فرق اليسار الفنية، نتضاحك على إشاعات "تامر بتاع غمرة" الذي نعتنا بالعملاء في تلفزيوننا الوطني، و"وجبات كنتاكي " التي قالوا إنها توزع علينا لنسقط حسني مبارك.
ما بيني وبين "فلان الفلاني" عهد الثورة الذي نكثته حينًا ونكثه هو أيضًا، ومن ينكث فإنما ينكث على نفسه، لكننا غسلنا خطأنا بالدم.
فلان الفلاني باعني في "رابعة"، وبعته وسخرت من جرحه في "محمد محمود"، وكل "برغوت على قد دمه بقى".
ثمة شهداء عبروا الفجوتين في جدار الثورة.. منهم أسماء البلتاجي وأخي الشهيد إبراهيم زلط، كانا أبناء يناير بحق، وانتقدا تخاذل الإخوان في محمد محمود، وبنفس القدر استنكرا تخلي باقي القوى الثورية عن الإقرار بحق غرمائهم في الاعتصام السلمي في ميداني رابعة والنهضة.
فلان الفلاني ضميره يوجعه على مشاركته في 30 يونيو ومسرحية "تمرد"، أدرك أن مطلبه في إسقاط أول رئيس منتخب لم يعجبه أدت لركوب العسكر رقاب الجميع، لذلك لم ينزل ليحتفل بانقلاب الجيش في الثالث من يوليو، نعم.. ربما يكون قد كابر في "قمصته" من الإسلاميين، وأحبطه خطاب المنصة في رابعة، لكنه لم يفوض السيسي في قتلي، وقال "ليس باسمنا" هذا الفض الدموي.
أنا أيضًا نادم على نزول الإخوان ليلة الاتحادية، لأن حماية القصر مهمة الدولة وليس شباب الإخوان، أشعر بالعار لجملة "جبنة نستو يا معفنين"، قتل الطرف الثالث حينها عشرة من شباب "فلان الفلاني" وليس الحسيني أبو ضيف فقط، كما يريد النظام أن يزور التاريخ.
فلان الفلاني لا ينتمي لأي من الكيانات التي تطأطئ الرأس لجنرال حبس كل مكونات ثورة يناير في السجن، ويصدر كل يوم قانونًا في غياب البرلمان، ولا يجرؤ أحد في "جمهورية الخوف" على اعتراضه، حتى لو كان صوته بلغ عنان السماء رفضًا لإعلان دستوري أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي ثم تراجع عنه.
لأول مرة هذا العام يعترف "فلان الفلاني" بأن رابعة أكبر مجزرة في تاريخ مصر، وأنه قصر عندما تخلى عن حماية الشاب "الإخواني" الذي حما ظهره والميدان في موقعة الجمل.
يا فلان الفلاني "اللي ما اعرفش اسمك".. سامحتك.. فسامحني
يا "فلان الفلاني" البعيد عن الشاشات، والمؤمن بحلم يناير والموجوع مثلي تمامًا..
أمامنا طريق إلى يناير ثانٍ من جديد
لأن:
فلان اللي مات يومها تلزم له دية
من ابن الفلان اللي كل لحمه حاف
انتهت الرسالة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع