في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط انخفاضاً في الأسعار، تواجه السعودية، أحد أكبر مصدري النفط في العالم، مخاطر عدة، أهمها انخفاض الاحتياطات النقدية، وهو ما قد يدفع بالبلاد إلى تخفيض الدعم وفرض ضرائب لأول مرة، حسب خبراء اقتصاديين.
وليست هذه المرة الأولى التي تنخفض فيها أسعار النفط، الذي يشكل أحد أهم مصادر الدخل في منطقة الخليج العربي. فقبل عقد من الآن، انخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها، وهو ما ساهم في استنزاف الاحتياطيات النقدية وشهدت الأسواق حالة اضطراب، وبالطبع عانت السعودية كغيرها من تبعات الانخفاض.
خالد السويلم، الرئيس السابق للاستثمار في مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي للسعودية)، يرى أن الحظ وحده فى السابق كان كفيلًا بعودة الأسعار إلى الارتفاع مجددًا.
ولكن، وحسب تقرير نشرته شبكة بلومبيرغ الإخبارية، ربما لا يكون الحظ هذه المرة كافيًا لحماية اقتصاد السعودية الذي زاد بمعدل 5 أضعاف منذ عام 1998.
وما يزيد من صعوبة الموقف السعودي أنه يأتي في وقت تسعى فيه البلاد إلى توسيع دورها في الصراعات الإقليمية لمواجهة إيران، المنافس الأكبر في المنطقة، إلى جانب وقف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي شن هجمات استهدفت عدداً من المساجد السعودية.
وفي ظل انخفاض الأسعار، يتوقع اقتصاديون أن تشهد السعودية عجزًا في الميزانية بمقدار 20% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن تشهد البلاد أول عجز في الحساب الجاري منذ عقد من الزمان.
احتياطيات البنك المركزي السعودي تراجعت بنسبة 10 % في 2015 عن العام الماضي، بما قيمته أكثر من 70 مليار دولار، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في قيمة العملة السعودية.
من جانبه، قال روبرت بورغيس، كبير الاقتصاديين في "دويتشه بنك إيه جي" للأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط، إن "ميزانية العام القادم ستكون علامة فارقة تترقبها الأسواق باهتمام كبير".
ومع انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من النصف خلال الأشهر الـ12 الماضية، أي أقل من 50 دولار، تواجه السعودية العديد من المشاكل المالية كتلك التي واجهتها في عام 1998.
لكن الفارق الآن يبدو في ضمان الحفاظ على كيان الدولة باعتبارها الضامن للثروات التي اعتاد عليها السعوديون منذ الأزمة الماضية.
هذا بالإضافة إلى أن الدعم الذي تقدمه السعودية لمواطنيها، يرهق ميزانيتها خاصة في مجال الطاقة التي يصل فيها سعر البنزين المدعم 16 سنتًا للتر الواحد في وقت لا تفرض فيه الدولة ضرائب على الدخل في بلد يبلغ التعداد السكاني بها 30 مليون نسمة.
ووفقًا لما ذكره تقرير مجموعة سامبا المالية ومقرها الرياض في 18 أغسطس/آب، فإن تكلفة دعم الوقود وحدها في السعودية تبلغ 195 مليار ريال (52 مليار دولار) هذا العام، أو 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
صندوق النقد الدولي من جانبه أوصى السعودية بالسيطرة على فاتورة الأجور المتنامية، وإجراء تغييرات على الدعم الحكومي للوقود والكهرباء، وجلب المزيد من الإيرادات غير النفطية من خلال الضرائب.
وفي هذا الإطار، يرى فاروق سوسة، كبير اقتصاديي الشرق الأوسط لـ"سيتي جروب" في لندن، أن الحكومة السعودية وفي مواجهة انخفاض الأسعار لا يمكن أن تستمر في دفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال مشاريع البنية التحتية الكبيرة، كما لا يمكنها أن تواصل تقديم الدعم الحكومي والإعانات الإجتماعية.
غير أن جمال خاشقجي، المستشار الإعلامي السابق للأمير السعودي تركي الفيصل، قال إن هذا لا يعني أن تتبنى الحكومة هذا النهج من خفض الإنفاق وزيادة الضرائب إلى الحد الذي يقترب من سياسات التقشف التي تتبناها الدول الأوروبية.
وأضاف خاشقجي بأن هناك خيارات بديلة يمكن للحكومة السعودية أن تسلكها، بما في ذلك تجميد عمليات التوسعة التي تجري في المسجد الحرام، أو أن تفرض ضرائب على الأراضي التي يملكها الأثرياء، وغير ذلك من الخيارات المتاحة من دون أن يكون لذلك تأثير على حياة المواطن العادي.
في المقابل، قال ديفيد باتر، زميل مشارك في مؤسسة "تشاتام هاوس" في لندن، أن السعودية ربما لا تواجه أزمة في الأفق القريب، خاصة وأن الاحتياطيات النقدية للملكة تتجاوز 664 مليار دولار، أي ما يوازي 90% من الاقتصاد.